01250 ت - تفسير فتح القدير - تفسير الشوكاني
Alfabaiyyah > سور القرآن الكريم > 0020 - سورة طه > 0060 - سورة طه آية 60
01250 ت - تفسير فتح القدير - تفسير الشوكاني
* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق
فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُۥ ثُمَّ أَتَىٰ ﴿سورة طه آية ٦٠﴾. قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍۖ وَقَدْ خَابَ مَنِ ٱفْتَرَىٰ ﴿سورة طه آية ٦١﴾. فَتَنَٰزَعُوٓا۟ أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا۟ ٱلنَّجْوَىٰ ﴿سورة طه آية ٦٢﴾. قَالُوٓا۟ إِنْ هَٰذَٰنِ لَسَٰحِرَٰنِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ ﴿سورة طه آية ٦٣﴾. فَأَجْمِعُوا۟ كَيْدَكُمْ ثُمَّ ٱئْتُوا۟ صَفًّاۚ وَقَدْ أَفْلَحَ ٱلْيَوْمَ مَنِ ٱسْتَعْلَىٰ ﴿سورة طه آية ٦٤﴾. قَالُوا۟ يَٰمُوسَىٰٓ إِمَّآ أَن تُلۡقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ ﴿سورة طه آية ٦٥﴾. قَالَ بَلْ أَلْقُوا۟ۖ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ ﴿سورة طه آية ٦٦﴾. فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِۦ خِيفَةً مُّوسَىٰ ﴿سورة طه آية ٦٧﴾. قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْأَعْلَىٰ ﴿سورة طه آية ٦٨﴾. وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوٓا۟ۖ إِنَّمَا صَنَعُوا۟ كَيْدُ سَٰحِرٍۖ وَلَا يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ ﴿سورة طه آية ٦٩﴾. فَأُلْقِىَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوٓا۟ ءَامَنَّا بِرَبِّ هَٰرُونَ وَمُوسَىٰ ﴿سورة طه آية ٧٠﴾.
قوله { فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ } أي انصرف من ذلك المقام ليهيـىء ما يحتاج إليه مما تواعدوا عليه وقيل معنى تولى أعرض عن الحق، والأوّل أولى { فَجَمَعَ كَيْدَهُ } أي جمع ما يكيد به من سحره وحيلته. والمراد أنه جمع السحرة. قيل كانوا اثنين وسبعين. وقيل أربعمائة. وقيل اثنا عشر ألفاً. وقيل أربعة عشر ألفاً. وقال ابن المنذر كانوا ثمانين ألفاً { ثُمَّ أَتَىٰ } أي أتى الموعد الذي تواعدا إليه مع جمعه الذي جمعه، وجملة { قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ } مستأنفة جواب سؤال مقدّر { وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } دعا عليهم بالويل، ونهاهم عن افتراء الكذب. قال الزجاج هو منصوب بمحذوف، والتقدير ألزمهم الله ويلاً. قال ويجوز أن يكون نداء، كقوله{ يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا } يۤس 52. { فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ } السحت الاستئصال، يقال سحت وأسحت بمعنى، وأصله استقصاء الشعر. وقرأ الكوفيون إلا شعبة { فيسحتكم } بضم حرف المضارعة من أسحت، وهي لغة بني تميم، وقرأ الباقون بفتحه من سحت، وهي لغة الحجاز، وانتصابه على أنه جواب للنهي { وَقَدْ خَابَ مَنِ ٱفْتَرَىٰ } أي خسر وهلك، والمعنى قد خسر من افترى على الله أي كذب كان { فَتَنَـٰزَعُواْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ } أي السحرة لما سمعوا كلام موسى، تناظروا وتشاوروا وتجاذبوا أطراف الكلام في ذلك { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ } أي من موسى، وكانت نجواهم هي قولهم { إِنْ هَـٰذٰنِ لَسَاحِرٰنِ }. وقيل إنهم تناجوا فيما بينهم فقالوا إن كان ما جاء به موسى سحراً فسنغلبه، وإن كان من عند الله فسيكون له أمر. وقيل الذي أسروه أنه إذا غلبهم اتبعوه، قاله الفرّاء والزجاج. وقيل الذي أسروه أنهم لما سمعوا قول موسى { ويلكم لا تفتروا على الله } قالوا ما هذا بقول ساحر. والنجوى المناجاة يكون اسماً ومصدراً. قرأ أبو عمرو " إن هذين لَسَاحِرٰنِ " بتشديد الحرف الداخل على الجملة وبالياء في اسم الإشارة على إعمال إن عملها المعروف، وهو نصب الاسم ورفع الخبر. ورويت هذه القراءة عن عثمان وعائشة وغيرهما من الصحابة، وبها قرأ الحسن وسعيد بن جبير والنخعي وغيرهم من التابعين، وبها قرأ عاصم الجحدري وعيسى بن عمر كما حكاه النحاس، وهذه القراءة موافقة للإعراب الظاهر مخالفة لرسم المصحف فإنه مكتوب بالألف. وقرأ الزهري والخليل بن أحمد والمفضل وأبان وابن محيصن وابن كثير وعاصم في رواية حفص عنه " إن هذان " بتخفيف إن على أنها نافية، وهذه القراءة موافقة لرسم المصحف وللإعراب. وقرأ ابن كثير مثل قراءتهم إلا أنه يشدّد النون من هذان. وقرأ المدنيون والكوفيون وابن عامر " إنّ هذان " بتشديد إن وبالألف، فوافقوا الرسم وخالفوا الإعراب الظاهر.
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى مساغاً لناباه الشجاع لصمما |
تزوّد منا بين أذناه ضربة |
إن أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها |
ليت شعري هل للمحبّ شفاء من جوى حبهنّ إنّ اللقاء |
أي نعم اللقاء. قال الزجاج والمعنى في الآية أن هذا لهما ساحران، ثم حذف المبتدأ وهو هما. وأنكره أبو علي الفارسي وأبو الفتح بن جني، وقيل إن الألف في { هذان } مشبهة بالألف في يفعلان فلم تغير. وقيل إن الهاء مقدّرة، أي إنه هذان لساحران، حكاه الزجاج عن قدماء النحويين، وكذا حكاه ابن الأنباري. وقال ابن كيسان إنه لما كان يقال هذا بالألف في الرفع والنصب والجرّ على حال واحدة، وكانت التثنية لا تغير الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد فثبت الألف في الرفع والنصب والجر، فهذه أقوال تتضمن توجيه هذه القراءة توجيها تصح به وتخرج به عن الخطأ، وبذلك يندفع ما روي عن عثمان وعائشة أنه غلط من الكاتب للمصحف. { يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ } وهي أرض مصر { بِسِحْرِهِمَا } الذي أظهراه { وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ } قال الكسائي بطريقتكم بسنّتكم. و { المثلى } نعت، كقولك امرأة كبرى، تقول العرب فلان على الطريقة المثلى، يعنون على الهدى المستقيم. قال الفراء العرب تقول هؤلاء طريقة قومهم وطرائق قومهم لأشرافهم، والمثلى تأنيث الأمثل، وهو الأفضل، يقال فلان أمثل قومه، أي أفضلهم، وهم الأماثل. والمعنى أنهما إن يغلبا بسحرهما مال إليهما السادة والأشراف منكم، أو يذهبا بمذهبكم الي هو أمثل المذاهب. { فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ } الإجماع الإحكام، والعزم على الشيء قاله الفراء. تقول أجمعت على الخروج مثل أزمعت. وقال الزجاج معناه ليكن عزمكم كلكم كالكيد مجمعاً عليه. وقد اتفق القراء على قطع الهمزة في أجمعوا إلا أبا عمرو، فإنه قرأ بوصلها وفتح الميم من الجمع. قال النحاس وفيما حكي لي عن محمد بن يزيد المبرد أنه قال يجب على أبي عمرو أن يقرأ بخلاف هذه القراءة، وهي القراءة التي عليها أكثر الناس.
{ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ } أي أحسّ. وقيل وجد. وقيل أضمر. وقيل خاف، وذلك لما يعرض من الطباع البشرية عند مشاهدة ما يخشى منه. وقيل خاف أن يفتتن الناس قبل أن يلقي عصاه. وقيل إن سبب خوفه هو أن سحرهم كان من جنس ما أراهم في العصا، فخاف أن يلتبس أمره على الناس فلا يؤمنوا، فأذهب الله سبحانه ما حصل معه من الخوف بما بشّره به بقوله { قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلاْعْلَىٰ } أي المستعلي عليهم بالظفر والغلبة، والجملة تعليل للنهي عن الخوف. { وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ } يعني العصا، وإنما أبهمها تعظيماً وتفخيماً، وجزم { تَلْقَفْ مَا صَنَعُواْ } على أنه جواب الأمر، قرىء بتشديد القاف، والأصل تتلقف فحذف إحدى التاءين، وقرىء " تلقف " بكسر اللام من لقفه إذا ابتلعه بسرعة، وقرىء " تلقف " بالرفع على تقدير فإنها تتلقف، ومعنى { مَا صَنَعُواْ } الذي صنعوه من الحبال والعصيّ. قال الزجاج القراءة بالجزم جواب الأمر، ويجوز الرفع على معنى الحال، كأنه قال ألقها متلقفة، وجملة { إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ } تعليل لقوله { تلقف } وارتفاع كيد على أنه خبر لإن، وهي قراءة الكوفيين إلا عاصماً. وقرأ هؤلاء " سَـٰحِرٌ " بكسر السين وسكون الحاء، وإضافة الكيد إلى السحر على الاتساع من غير تقدير، أو بتقدير ذي سحر. وقرأ الباقون { كيد ساحر } { وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّـٰحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ } أي لا يفلح جنس الساحر حيث أتى وأين توجه، وهذا من تمام التعليل { فَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّداً } أي فألقي ذلك الأمر الذي شاهدوه من موسى والعصا السحرة سجداً لله تعالى، وقد مرّ تحقيق هذا في سورة الأعراف. { قَالُواْ آمَنَّا بِرَبّ هَـٰرُونَ وَمُوسَىٰ } إنما قدّم هارون على موسى في حكاية كلامهم رعاية لفواصل الآي وعناية بتوافق رؤوسها. وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ } قال يهلككم. أخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة { فَيُسْحِتَكُم } قال يستأصلكم. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي صالح قال فيذبحكم. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عليّ { وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ } قال يصرفا وجوه الناس إليهما. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال يقول أمثلكم، وهم بنو إسرائيل. وأخرج عبد بن حميد وعبد الرزاق في قوله { تَلْقَفْ مَا صَنَعُواْ } ما يأفكون، عن قتادة قال ألقاها موسى فتحوّلت حية تأكل حبالهم وما صنعوا. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة أن سحرة فرعون كانوا تسعمائة، فقالوا لفرعون إن يكن هذان ساحرين فإنا نغلبهما فإنه لا أسحر منا، وإن كانا من ربّ العالمين فإنه لا طاقة لنا بربّ العالمين، فلما كان من أمرهم أن خرّوا سجداً أراهم الله في سجودهم منازلهم التي إليها يصيرون فعندها { قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءنَا مِنَ ٱلْبَيّنَـٰتِ } إلى قوله { وَٱللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ }.
Comments
Post a Comment