00754 ت - تفسير البحر المحيط - تفسير أبو حيان
Alfabaiyyah > حرف س > سو > سور > سور القرآن الكريم > 0023 - سورة المؤمنون > 0001 - سورة المؤمنون آية 1
00754 ت - تفسير البحر المحيط - تفسير أبو حيان
* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق
قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴿سورة المؤمنون آية ١﴾. ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَـٰشِعُونَ ﴿سورة المؤمنون آية ٢﴾. وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴿سورة المؤمنون آية ٣﴾. وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَوٰةِ فَـٰعِلُونَ ﴿سورة المؤمنون آية ٤﴾. وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَـٰفِظُونَ ﴿سورة المؤمنون آية ٥﴾. إِلَّا عَلَىٰٓ أَزْوَٰجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴿سورة المؤمنون آية ٦﴾. فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذَٰلِكَ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ ﴿سورة المؤمنون آية ٧﴾. وَٱلَّذِينَ هُمْ لِأَمَـٰنَـٰتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَٰعُونَ ﴿سورة المؤمنون آية ٨﴾. وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَٰتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴿سورة المؤمنون آية ٩﴾. أُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْوَٰرِثُونَ ﴿سورة المؤمنون آية ١٠﴾. ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ ﴿سورة المؤمنون آية ١١﴾. وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلْإِنسَـٰنَ مِن سُلَـٰلَةٍ مِّن طِينٍ ﴿سورة المؤمنون آية ١٢﴾. ثُمَّ جَعَلْنَـٰهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ﴿سورة المؤمنون آية ١٣﴾. ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَـٰمًا فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَـٰمَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَـٰهُ خَلْقًا ءَاخَرَۚ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَـٰلِقِينَ ﴿سورة المؤمنون آية ١٤﴾. ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ ﴿سورة المؤمنون آية ١٥﴾. ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ تُبْعَثُونَ ﴿سورة المؤمنون آية ١٦﴾.
وقرأ طلحة بن مصرف وعمرو بن عبيد { قد أفلح المؤمنون } بضم الهمزة وكسر اللام مبنياً للمفعول، ومعناه ادخلوا في الفلاح فاحتمل أن يكون من فلح لازماً أو يكون أفلح يأتي متعدياً ولازماً. وقرأ طلحة أيضاً بفتح الهمزة واللام وضم الحاء. قال عيسى بن عمر: سمعت طلحة بن مصرف يقرأ قد أفلحوا المؤمنون، فقلت له: أتلحن؟ قال: نعم، كما لحن أصحابي انتهى. يعني أن مرجوعه في القراءة إلى ما روي وليس بلحن لأنه على لغة أكلوني البراغيث. وقال الزمخشري: أو على الإبهام والتفسير. وقال ابن عطية: وهي قراءة مردودة، وفي كتاب ابن خالويه مكتوباً بواو بعد الحاء، وفي اللوامح وحذفت واو الجمع بعد الحاء لالتقائهما في الدرج، وكانت الكتابة عليها محمولة على الوصل نحو{ ويمح الله الباطل } [الشورى: 24]. وقال الزمخشري: وعنه أي عن طلحة { أُفلحُ } بضمة بغير واو اجتزاء بها عنها كقوله:
فلو أن الأطباء كان حولي |
والخشوع لغة الخضوع والتذلل، وللمفسرين فيه هنا أقوال: قال عمرو بن دينار: هو السكون وحسن الهيئة. وقال مجاهد: غض البصر وخفض الجناح. وقال مسلم بن يسار وقتادة: تنكيس الرأس. وقال الحسن: الخوف. وقال الضحاك: وضع اليمين على الشمال. وعن عليّ: ترك الالتفات في الصلاة. وعن أبي الدرداء: إعظام المقام وإخلاص المقال واليقين التام وجمع الاهتمام. وفي الحديث أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي رافعاً بصره إلى السماء، فلما نزلت هذه الآية رمى ببصره نحو مسجده، ومن الخشوع أن تستعمل الآداب فيتوقى كف الثوب والعبث بجسده وثيابه والالتفات والتمطي والتثاؤب والتغميض وتغطية الفم والسدل والفرقعة والتشبيك والاختصار وتقليب الحصى. وفي التحرير: اختلف في الخشوع، هل هو من فرائض الصلاة أو من فضائلها ومكملاتها على قولين، والصحيح الأول ومحله القلب، وهو أول علم يرفع من الناس قاله عبادة بن الصامت.
وقال الزمخشري: فإن قلت: لم أضيفت الصلاة إليهم؟ قلت: لأن الصلاة دائرة بين المصلي والمصلى له، فالمصلي هو المنتفع بها وحده وهي عدته وذخيرته فهي صلاته، وأما المصلى له فغني متعال عن الحاجة إليها والانتفاع بها.
المطعمون الطعام في السنة الأز | مة والفاعلون للزكوات |
وحفظ لا يتعدى بعلى. فقيل: على بمعنى من أي إلا من أزواجهم كما استعملت من بمعنى على في قوله{ ونصرناه من القوم } [الأنبياء: 77] أي على القوم قاله الفراء، وتبعه ابن مالك وغيره والأولى أن يكون من باب التضمين ضمن { حافظون } معنى ممسكون أو قاصرون، وكلاهما يتعدى بعلى كقوله
وقوله { أو ما ملكت } أريد بما النوع كقوله{ فانكحوا ما طاب لكم } [النساء: 3] وقال الزمخشري: أريد من جنس العقلاء ما يجري مجرى غير العقلاء وهم الإناث انتهى. وقوله وهم الإناث ليس بجيد لأن لفظ هم مختص بالذكور، فكان ينبغي أن يقول وهو الإناث على لفظ ما أوهن الإناث على معنى ما، وهذا الاستثناء حد يجب الوقوف عنده، والتسرّي خاص بالرجال ولا يجوز للنساء بإجماع، فلو كانت المرأة متزوجة بعبد فملكته فاعتقته حالة الملك انفسخ النكاح عند فقهاء الأمصار. وقال النخعي والشعبي وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة: يبقيان على نكاحهما وفي قوله { أو ما ملكت أيمانهم } دلالة على تعميم وطء ما ملك باليمين وهو مختص بالإناث بإجماع، فكأنه قيل { أو ما ملكت أيمانهم } من النساء. وفي الجمع بين الأختين من ملك اليمين وبين المملوكة وعمتها أو خالتها خلاف، ويخص أيضاً في الآية بتحريم وطء الحائض والأَمة إذا زوجت والمظاهر منها حتى يكفر، ويشمل قوله وراء ذلك الزنا واللواط ومواقعة البهائم والاستمناء ومعنى وراء ذلك وراء هذا الحد الذي حد من الأزواج ومملوكات النساء، وانتصابه على أنه مفعول بابتغى أي خلاف ذلك. وقيل: لا يكون وراء هنا إلاّ على حذف تقديره ما وراء ذلك.
والجمهور على تحريم الاستمناء ويسمى الخضخضة وجلد عميرة يكنون عن الذكر بعميرة، وكان أحمد بن حنبل يجيز ذلك لأنه فضلة في البدن فجاز إخراجها عند الحاجة كالفصد والحجامة، وسأل حرملة بن عبد العزيز مالكاً عن ذلك فتلا هذه الآية وكان جرى في ذلك كلام مع قاضي القضاة أبي الفتح محمد بن عليّ بن مطيع القشيري ابن دقيق العيد فاستدل على منع ذلك بما استدل مالك من قوله
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو في رواية لأمانتهم بالإفراد وباقي السبعة بالجمع، والظاهر عموم الأمانات فيدخل فيها ما ائتمن تعالى عليه العبد من قول وفعل واعتقاد، فيدخل في ذلك جميع الواجبات من الأفعال والتروك وما ائتمنه الإنسان قبل، ويحتمل الخصوص في أمانات الناس. والأمانة: هي الشيء المؤتمن عليه ومراعاتها القيام عليها لحفظها إلى أن تؤدى، والأمانة أيضاً المصدر وقال تعالى{ إن الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها } [النساء: 58] والمؤدى هو العين المؤتمن عليه أو القول إن كان المؤتمن عليه لا المصدر. وقرأ الإخوان على صلاتهم بالتوحيد، وباقي السبعة بالجمع. والخشوع والمحافظة متغايران بدأ أولاً بالخشوع وهو الجامع للمراقبة القلبية والتذلل بالأفعال البدنية، وثنى بالمحافظة وهي تأديتها في وقتها بشروطها من طهارة المصلي وملبوسه ومكانه وأداء أركانها على أحسن هيئاتها ويكون ذلك دأبه في كل وقت. قال الزمخشري: ووحدت أولاً ليفاد الخشوع في جنس الصلاة أي صلاة كانت، وجمعت آخراً لتفاد المحافظة على إعدادها وهي الصلوات الخمس والوتر والسنن المرتبة مع كل صلاة وصلاة الجمعة والعيدين والجنازة والاستسقاء والكسوف والخسوف وصلاة الضحى والتهجد وصلاة التسبيح وصلاة الحاجة وغيرها من النوافل.
{ أولئك } أي الجامعون لهذه الأوصاف { هم الوارثون } الأحقاء أن يسموا ورّاثاً دون من عداهم، ثم ترجم الوارثين بقوله { الذين يرثون الفردوس } فجاء بفخامة وجزالة لإرثهم لا تخفى على الناظر، ومعنى الإرث ما مر في سورة مريم انتهى. وتقدم الكلام في { الفردوس } في آخر الكهف.
{ ولقد خلقنا الإنسان } الآية لما ذكر تعالى أن المتصفين بتلك الأوصاف الجليلة هم يرثون الفردوس فتضمن ذلك المعاد الأخروي، ذكر النشأة الأولى ليستدل بها على صحة النشأة الآخرة. وقال ابن عطية: هذا ابتداء كلام والواو في أوله عاطفة جملة كلام على جملة، وإن تباينت في المعاني انتهى.
وقرأ الجمهور عظاماً و { العظام } الجمع فيهما. وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم وأبان والمفضل والحسن وقتادة وهارون والجعفي ويونس عن أبي عمرو وزيد بن عليّ بالإفراد فيهما. وقرأ السلمي وقتادة أيضاً والأعرج والأعمش ومجاهد وابن محيصن بإفراد الأول وجمع الثاني. وقرأ أبو رجاء وإبراهيم بن أبي بكر ومجاهد أيضاً بجمع الأول وإفراد الثاني فالإفراد يراد به الجنس. وقال الزمخشري: وضع الواحد موضع الجمع لزوال اللبس لأن الإنسان ذو عظام كثيرة انتهى. وهذا لا يجوز عند سيبويه وأصحابنا إلاّ في الضرورة وأنشدوا:
كلوا في بعض بطنكم تعفوا |
ومعلوم أن هذا لا يلبس لأنهم كلهم ليس لهم بطن واحد ومع هذا خصوا مجيئه بالضرورة { ثم أنشأناه خلقاً آخر } قال ابن عباس والشعبي وأبو العالية والضحاك وابن زيد، هو نفخ الروح فيه. وقال ابن عباس أيضاً: خروجه إلى الدنيا. وقالت فرقة: نبات شعره. وقال مجاهد: كمال شبابه. وقال ابن عباس أيضاً تصرفه في أمور الدنيا. قال ابن عطية: وهذا التخصيص لا وجه له وإنما هو عام في هذا وغيره من وجود النطق والإدراك، وأول رتبة من كونه آخر نفخ الروح وآخره تحصيله المعقولات إلى أن يموت انتهى. ملخصاً وهو قريب مما رواه العوفي عن ابن عباس، ويدل عليه قوله بعد ذلك { ثم إنكم بعد ذلك لميتون }.
ولأنت تفري ما خلقت وبعـ | ـض القوم يخلق ثم لا يفري |
وقرأ زيد بن عليّ وابن أبي عبلة وابن محيصن لمائتون بالألف يريد حدوث الصفة، فيقال أنت مائت عن قليل وميت ولا يقال مائت للذي قد مات. قال الفراء: إنما يقال في الاستقبال فقط وكذا قال ابن مالك، وإذا قصد استقبال المصوغة من ثلاثي على غير فاعل ردت إليه ما لم يقدر الوقوع، يعني إنه لا يقال لمن مات مائت. وقال الزمخشري: والفرق بين الميت والمائت أن الميت كالحي صفة ثابتة، وأما المائت فيدل على الحدوث، تقول: زيد مائت الآن ومائت غداً كقولك: يموت ونحوها ضيق وضائق في قوله{ وضائق به صدرك } [هود: 12] انتهى. والإشارة بقوله بعد ذلك إلى هذا التطوير والإنشاء { خلقاً آخر } أي وانقضاء مدّة حياتكم.
{ ثم إنكم يوم القيامة تبعثون } ونبه تعالى على عظيم قدرته بالاختراع أولاً، ثم بالإعدام ثم بالإيجاد، وذكره الموت والبعث لا يدل على انتفاء الحياة في القبر لأن المقصود ذكر الأجناس الثلاثة الإنشاء والإماتة والإعادة في القبر من جنس الإعادة ومعنى { تبعثون } للجزاء فإن قلت: الموت مقطوع به عند كل أحد، والبعث قد أنكرته طوائف واستبعدته وإن كان مقطوعاً به من جهة الدليل لإمكانه في نفسه ومجيء السمع به فوجب القطع به فما بال جملة الموت جاءت مؤكدة بأن وباللام ولم تؤكد جملة البعث بأن؟ فالجواب: أنه بولغ في تأكيد ذلك تنبيهاً للإنسان أن يكون الموت نصب عينيه ولا يغفل عن ترقبه، فإن مآله إليه فكأنه أكدت جملته ثلاث مرار لهذا المعنى، لأن الإنسان في الحياة الدنيا يسعى فيها غاية السعي، ويؤكد ويجمع حتى كأنه مخلد فيها فنبه بذكر الموت مؤكداً مبالغاً فيه ليقصر، وليعلم أن آخره إلى الفناء فيعمل لدار البقاء، ولم تؤكد جملة البعث إلاّ بأن لأنه أبرز في صورة المقطوع به الذي لا يمكن فيه نزاع ولا يقبل إنكاراً وإنه حتم لا بد من كيانه فلم يحتج إلى توكيد ثان، وكنت سئلت لم دخلت اللام في قوله { لميتون } ولم تدخل في { تبعثون } فأجبت: بأن اللام مخلصة المضارع للحال غالباً فلا تجامع يوم القيامة، لأن أعمال { تبعثون } في الظرف المستقبل تخلصه للاستقبال فتنافي الحال، وإنما قلت غالباً لأنه قد جاءت قليلاً مع الظرف المستقبل كقوله تعالى
{ وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة } [النحل: 124] على أنه يحتمل تأويل هذه الآية وإقرار اللام مخلصة المضارع للحال بأن يقدر عامل في يوم القيامة.
Comments
Post a Comment