معنى كلمة الرب في القرآن
Alfabaiyyah > حرف ر > Perkataan رب > Perkataan الرب
يقول ربنا عز وجل مخبرا عن فرعون:
﴿فَحَشَرَ فَنادىفَقالَ أَنا رَبُّكُمُ الأَعلى﴾ [النازعات: 23-24]
هل كان فرعون يقصد أنه هو من خلق شعبه ويرزقه ؟!
بكل تأكيد فرعون الذي ولد بين شعبه لم يكن من السخافة بحيث يدعي لشعبه أنه هو خالقهم ورازقهم، فما الذي كان يقصد بقوله أنا ربكم الأعلى؟
في هذا المقال سوف نعرف إن شاء الله:
- معنى كلمة الرب في القرآن
- هل لنا أرباب نعبدهم من دون الله ونحن لا نشعر
- كيف جهلنا معنى كلمة الرب
- كيف النجاة من عبادة الأنظمة القائمة في زماننا
معنى كلمة الرب في القرآن
إن كلمة الرب في لسان العرب تعني السيد صاحب الأمر، المتصرف فيمن يعتبرونه ربا، وتعني في القرآن إذا كان يقصد بها الله عز وجل من له الخلق والأمر، نجد ذلك في قول الحق سبحانه وهو يعرف الناس على نفسه:
﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ في سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ استَوى عَلَى العَرشِ يُغشِي اللَّيلَ النَّهارَ يَطلُبُهُ حَثيثًا وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمرِهِ أَلا لَهُ الخَلقُ وَالأَمرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ العالَمينَ﴾ [الأعراف: 54]
أما إذا أريد بها غير الله فإنها تعني من بيده السلطة العليا، صاحب الأمر، نجد ذلك في قوله سبحانه:
﴿وَقالَ المَلِكُ ائتوني بِهِ فَلَمّا جاءَهُ الرَّسولُ قالَ ارجِع إِلى رَبِّكَ فَاسأَلهُ ما بالُ النِّسوَةِ اللّاتي قَطَّعنَ أَيدِيَهُنَّ إِنَّ رَبّي بِكَيدِهِنَّ عَليمٌ﴾ [يوسف: 50]
فالملك رب للغلام الذي أرسل إلى يوسف، حيث أنه يأمره فيطيعه، مهما كان الأمر الصادر عنه، لذلك يوسف صلى الله عليه وسلم قال له “إرجع إلى ربك” فالملك ليس برب ليوسف صلى الله عليه وسلم، حيث أن يوسف لا يأتمر بغير أمر الله عز وجل.
إذا فهمنا ما سبق نفهم بسهولة ما كان فرعون يقصد بقوله “أنا ربكم الأعلى” أي أنا صاحب السلطة العليا، أنا صاحب الأمر المطاع، وأنتم خاضعين لأمري، وهذا واقعهم فعلا، لذلك فشعب فرعون يعبدون فرعون لأنه يأمرهم فيطيعون، خاضعين له، وهو بذلك أصبح إلههم، ومن ثم نفهم قوله:
﴿وَقالَ فِرعَونُ يا أَيُّهَا المَلَأُ ما عَلِمتُ لَكُم مِن إِلهٍ غَيري فَأَوقِد لي يا هامانُ عَلَى الطّينِ فَاجعَل لي صَرحًا لَعَلّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ موسى وَإِنّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الكاذِبينَ﴾[القصص: 38]
ففرعون إلههم بمعنى ربهم، حيث أنه صاحب السلطة العليا، ولذلك كان اعتراضه على موسى، كون موسى جعل السلطة العليا بيد الله، وليس بيده هو، فقال له كما أخبرنا الله عنه:
﴿قالَ فَمَن رَبُّكُما يا موسى﴾ [طه: 49]
وفرعون ليس نشازا من الطواغيت، فكل الطواغيت مثله، هم أرباب لعابديهم يتصرفون فيهم كيف شاؤوا، فهذا النمرود يعلن أنه رب لقومه وهذا ما حاول إثباته في محاججته لإبراهيم صلى الله عليه وسلم حيث أخبرنا ربنا عنه في قوله:
﴿أَلَم تَرَ إِلَى الَّذي حاجَّ إِبراهيمَ في رَبِّهِ أَن آتاهُ اللَّهُ المُلكَ إِذ قالَ إِبراهيمُ رَبِّيَ الَّذي يُحيي وَيُميتُ قالَ أَنا أُحيي وَأُميتُ قالَ إِبراهيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأتي بِالشَّمسِ مِنَ المَشرِقِ فَأتِ بِها مِنَ المَغرِبِ فَبُهِتَ الَّذي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهدِي القَومَ الظّالِمينَ﴾ [البقرة: 258]
فالنمرود قصد بكونه ربا لقومه، أنه يتصرف فيهم فيقتل من شاء ويترك حيا من شاء، وهم خاضعين له مستسلمين، لذلك لما حاجه إبراهيم بأن الله يأت بالشمس من المشرق، وعليه أن يأتي بها من المغرب، بهت، فربوبيته لا تتعدى قومه الذين يعبدونه، وقبلوا أن يجعلوه ربا عليهم.
هل لنا أرباب نعبدهم من دون الله ونحن لا نشعر؟
بعد أن فهمنا هذا، لنا الحق في أن نسأل أنفسنا، هل لنا نحن أيضا أرباب من دون الله، كما كان فرعون ربا لقومه ؟
للإجابة على هذا السؤال علينا أن نبحث عمن نعتبره السلطة العليا فعلا، وهو ربنا، فمن هو صاحب السلطة العليا؟!
في الحقيقة السلطة العليا عند أغلب الناس هي الدولة، وليس الله عز وجل، ويتجلى ذلك حين يتعارض أمر الله، وأمر الدولة، فأمر من يطيع المرء ؟
إن الواقع يشهد أن أغلب الناس إلا من رحم الله تطيع أمر الدولة، وتعصي أمر الله، عند تناقض الأمرين، مثلا مسألة التأمين على السيارة، فالله يحرم التأمين لدخوله في أكل أموال الناس بالباطل وربنا يقول:
﴿وَلا تَأكُلوا أَموالَكُم بَينَكُم بِالباطِلِ وَتُدلوا بِها إِلَى الحُكّامِ لِتَأكُلوا فَريقًا مِن أَموالِ النّاسِ بِالإِثمِ وَأَنتُم تَعلَمونَ﴾ [البقرة: 188]
والدولة تلزم المرء بشراء التأمين على سيارته التي اشتراها من حر ماله، وإلا فإنها سوف تعاقبه إن هو سار بها حيث لها شرطة مرور، فما يفعل ؟
أغلب الناس تعصي أمر الله، وتطيع أمر الدولة وتشتري التأمين رغم معرفتها بحرمة ذلك، وتحتج بأنها مكرهة، وهذا غير صحيح فالمرء قد يعيش بدون سيارة، ولكنهم اشتروا الدنيا بالآخرة والعياذ بالله، حالهم كحال كل الكفرة، في كل الأزمان كما أخبر ربنا عنهم في قوله
﴿أُولئِكَ الَّذينَ اشتَرَوُا الحَياةَ الدُّنيا بِالآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنهُمُ العَذابُ وَلا هُم يُنصَرونَ﴾ [البقرة: ٨٦]
إن الدول التي نعيش في ظلها في زماننا هذا، دول فشى فيها الكفر الصريح، حيث جعلت شعوبها أربابا من دون الله، فالشعب صاحب السلطة العليا، والتي يمارسها من خلال ممثليه المنتخبين عبر صناديق الاقتراع، ومن ثم فهي لا تختلف في شيء عن دولة فرعون الذي كان يعبد من دون الله، فالرئيس في زماننا هو الذي يمثل إرادة الرب الأعلى، الشعب، بحسب النظام الديمقراطي، وهو الرب الأعلى في الأنظمة الدكتاتورية، ونحن الشعب عُباد لهذا الإله، تماما كما هي حال قوم موسى مع فرعون التي تحدثنا عنها في مقال معنى العبادة، حيث صرح فرعون أنهم عابدون له في قوله:
﴿فَقالوا أَنُؤمِنُ لِبَشَرَينِ مِثلِنا وَقَومُهُما لَنا عابِدونَ﴾ [المؤمنون: 47]
عبادتنا لهذه الأنظمة تكمن في طاعتنا لها المطلقة، وإن تعارضت مع أوامر رب العالمين، فنحن لها خاضعون مستسلمون، ومن يعترض يحل عليه غضبها فتقتله، أو ترميه في السجون.
هذا المقطع يناقش مزيد من الأدلة حول الموضوع
إن الأنظمة الحاكمة ليست الرب الوحيد الذي نعبده وإنما هي من جملة الأرباب التي تحدثنا عنها في المقال الثاني من سلسلة ملة إبراهيم، والتي سوف نتطرق لها بالتفصيل في مقالاتنا القادمة إن شاء الله.
إننا والحال هذه، تحت هذه الأنظمة نأتمر بأمرها، نكذب في كل مرة نصلي فيها حين نقول
﴿الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ﴾
فليس ربنا الله وحده، بل لنا أرباب كثر كما بيّنا، لذلك علينا أن لا نتوقع وهذه حالنا أن يستجيب الله لنا، فالكذب لا يحل محل الصدق، ويجب أن نكفر بكل الأرباب إلا الله، لنكون صادقين حين نقول:
﴿الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ﴾
ليتغير حالنا وتحل رحمة ربنا ومعيته مكان الذلة والمسكنة التي ضرب الله علينا يوم أشركنا به أربابا آخرين.
كيف جهلنا معنى كلمة الرب؟
إن معنى الرب الذي أسلفنا واضح في اللسان وفي الوحي، فكيف جهلناه وتحول في اللاشعور عندنا إلى معنى الخلق وإرزاق الأرزاق؟
للأسف حين أسلمنا عقولنا لغيرنا، وصرنا كقطيع البهائم، صرنا نمر على الآيات الواضحة الصريحة، ولكن لا نفهمها، ونكتفي بما يقوله المفسرون فهم وحدهم أصحاب التوكيل الحصري لفهم القرآن، وهؤلاء قالوا لنا أن الرب هو الخالق المربي بالنعم فقط، وأن الإله هو المعبود، وليست مرادفة لكلمة الرب، وهكذا صرنا نقرأ الآيات الواضحة التي فيها ذكر الرب، ولكن لا نهتم، فنحن نعترف أن الله هو وحده الخالق الرازق، ولذلك فنحن نرى أنفسنا مؤمنين بأن الله وحده رباً، فنحن لا نعترف بخالق غيره، بالرغم من كوننا نستقبل الأوامر من غيره سبحانه، فالمفسر لم يقل لنا أن من معان الرب صاحب السلطة العليا، وهكذا جهلنا معنى الرب، واتخذنا أربابا من دون الله دون أن نطلق عليهم لفظ رب.
إن مشركي قريش كانوا يعتقدون نفس الاعتقاد، وهو أن الله هو الخالق لا خالق غيره ولا رازق:
﴿ وَلَئِن سَأَلتَهُم مَن خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ لَيَقولُنَّ خَلَقَهُنَّ العَزيزُ العَليمُ ﴾[الزخرف: ٩]
فهم يعترفون بكل هذا، وفي نفس الوقت يمتازون علينا بفهم كلمة الرب في لسانهم، ويعلمون أنها تشمل من بيده الأمر، أما نحن فلا ندرك ذلك لجهلنا بلسان العرب.
كيف النجاة من عبادة الأنظمة القائمة في زماننا؟
إن النجاة تكمن في الكفر بهذه الأنظمة ابتداء، فهي طاغوت لعابديها، ثم أمام المرء خيارين لا ثالث لهما وهما:
إما دعوتهم كما دعا الأنبياء أقوامهم والصبر على ما يلحق المرء من ذلك ومؤمن أصحاب القرية مثال حي يحتذى به، وهذه سلسلة مقالات نتحدث فيها سمات دعوة الأنبياء
أو الهجرة عنهم والعيش في أرض الله الواسعة حيث لا سلطان لهذه الأنظمة، كما أخبر الله عز وجل:
﴿إِنَّ الَّذينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمي أَنفُسِهِم قالوا فيمَ كُنتُم قالوا كُنّا مُستَضعَفينَ فِي الأَرضِ قالوا أَلَم تَكُن أَرضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِروا فيها فَأُولئِكَ مَأواهُم جَهَنَّمُ وَساءَت مَصيرًا﴾ [النساء: 97]
ولا يستثنى من هذا الخيار إلا من استثناه الله في قوله :
﴿إِلَّا المُستَضعَفينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالوِلدانِ لا يَستَطيعونَ حيلَةً وَلا يَهتَدونَ سَبيلًافَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعفُوَ عَنهُم وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفورًا﴾ [النساء: 98-99]
فاختر أي الطريقين تريد، الدعوة، أو الهجرة، ولا سبيل لطريق ثالث إلا طريقا مصير صاحبه النار والعياذ بالله.
حول مفهوم الرب في القرآن أقترح الاستماع لهذا المقطع الصوتي
لمزيد من الإيضاح نشرت مؤخرا مقالا بعنوان حكم العيش تحت سلطان الطاغوت يمكن مراجعته لمزيد من الأدلة.
Comments
Post a Comment