0001 سورة قريش آية 1 - * تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق
* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق
{ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ }
قيل: إن هذه السورة متصلة بالتي قبلها في المعنى. يقول: أهلكت أصحاب الفيل لإيلاف قريش أي لتأتلف، أو لتتفق قريش، أو لكي تأمن قريش فتُؤْلِف رحلتيها. وممن عدّ السورتين واحدة أبيّ بن كعب، ولا فصل بينهما في مصحفه. وقال سفيان بن عيينة: كان لنا إمام لا يفصل بينهما، ويقرؤهما معاً. وقال عمرو بن ميمون الأَوْدِيّ: صلينا المغرب خلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقرأ في الأولى:{ وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ } [التين: 1] وفي الثانية{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ } [الفيل: 1] و{ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ } [قريش: 1]. وقال الفراء: هذه السورة متصلة بالسورة الأولى لأنه ذكَّر أهل مكة عظيم نعمته عليهم فيما فعل بالحبشة، ثم قال: «لإيلاف قُريش» أي فعلنا ذلك بأصحاب الفيل نِعْمَةً منا على قريش. وذلك أن قريشاً كانت تخرج في تجارتها، فلا يُغار عليها ولا تُقْرب في الجاهلية. يقولون: هم أهل بيت الله جلّ وعزّ حتى جاء صاحب الفيل ليهدم الكعبة ويأخذ حجارتها، فيبني بها بيتاً في اليمن يَحُج الناس إليه فأهلكهم الله عز وجل، فذكَّرهم نِعْمته. أي فجعل الله ذلك لإيلاف قريش أي ليألفوا الخروج ولا يُجْتَرَأ عليهم وهو معنى قول مجاهد وابن عباس في رواية سعيد بن جبير عنه. ذكره النحاس: حدّثنا أحمد بن شُعيب قال أخبرني عمرو بن عليّ قال: حدّثني عامر بن إبراهيم ـ وكان ثقة من خيار الناس ـ قال حدّثني خطاب بن جعفر بن أبي المغيرة، قال: حدّثني أبي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، في قوله تعالى: { لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ } قال: نعمتي على قريش إيلافُهُمْ رحلة الشتاء والصيف. قال: كانوا يَشْتون بمكة، ويَصِيفون بالطائف. وعلى هذا القول يجوز الوقف على رؤوس الآي وإن لم يكن الكلام تاماً على ما نبينه أثناء السورة. وقيل: ليست بمتصلة لأن بين السورتين «بسم الله الرحمن الرحيم» وذلك دليل على انقضاء السورة وافتتاح الأخرى، وأن اللام متعلقة بقوله تعالى: «فلْيعبدوا» أي فليعبدوا هؤلاء ربَّ هذا البيت، لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف للامتيار. وكذا قال الخليل: ليست متصلة كأنه قال: ألَّف الله قريشاً إيلافاً فليعبدوا ربَّ هذا البيت. وعمِل ما بعد الفاء فيما قبلها لأنها زائدة غير عاطفة كقولك: زيداً فاضرب. وقيل: اللام في قوله تعالى: { لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ } لام التعجب أي اعجبوا لإيلاف قريش قاله الكسائيّ والأخفش. وقيل: بمعنى إلى. وقرأ ابن عامر: «لإِئلافِ قريش» مهموزاً مختلساً بلا ياء. وقرأ أبو جعفر والأعرج «لِيلاَف» بلا همز طلباً للخفة. الباقون «لإيلاف» بالياء مهموزاً مشبعاً من آلَفْتُ أَولِفُ إيلافاً. قال الشاعر:المُنْعِمِين إذا النجوم تغيرتْ | والظاعنين لرحلةِ الإِيلافِ |
زَعَمْتُمْ أنّ إِخوتَكُمْ قُرَيْشٌ | لهم إلف وليس لكم إلاف |
فَلا تُتْركَنْه ما حيِيتَ لِمُعْظَمٍ | وكنْ رجلاً ذا نَجْدةٍ وعَفافِ | |
تذود العِدا عن عُصْبة هاشميةٍ | إلافُهم في الناس خيرُ إلاَفِ |
بكل قُرَيْشِيّ عليه مَهابة |
وكَفَى قُرَيشَ المُعْضِلاتِ وسادَها |
أبونا قُصَيّ كان يُدْعَى مُجَمِّعاً | به جمع الله القبائلَ من فِهرِ |
إخوة قَرَّشُوا الذنوبَ علينا | في حديثٍ مِن دهرهمْ وقديم |
أَيُّها الشامتُ المقرش عنا | عند عمرو فهلْ له إبقاء |
وقريش هي التي تسكن البحـ | ـر بها سميت قريش قريشا | |
تأكل الرث والسمِين ولا تتـ | ـرك فيها لذي جناحين رِيشا | |
هكذا في البلاد حيّ قُرَيشٍ | يأكلون البلاد أكلاً كمِيشا | |
ولهم آخر الزمانِ نبيٌّ | يكثر القتل فيهم والخُموشا |
Comments
Post a Comment