0082 سورة النساء آية 82 - * تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق
* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق
{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلاَفاً كَثِيراً } * { وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً }
أَشَمُّ نَديٌّ كَثيرُ النَّوادي قَليلُ المَثالِبِ والقادِحَهْ |
تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ)
قَالَ(٢) الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: لَقَدْ جَلَسْتُ أَنَا وَأَخِي مَجْلِسًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهِ حُمر النَّعم، أَقْبَلْتُ أَنَا وَأَخِي وَإِذَا مَشْيَخَةٌ مِنْ صَحَابَةِ(٣) رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهِ، فَكَرِهْنَا أَنْ نُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ، فَجَلَسْنَا حَجْرَة، إِذْ ذَكَرُوا آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ، فَتَمَارَوْا فِيهَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ، فَخَرَجَ رسولُ اللَّهِ ﷺ مُغْضَبًا حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ، يَرْمِيهِمْ بِالتُّرَابِ، وَيَقُولُ: "مَهْلًا يَا قَوْمُ، بِهَذَا أُهْلِكَتِ الْأُمَمُ مَنْ قَبْلِكُمْ بِاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، وَضَرْبِهِمُ الْكُتُبَ بَعْضَهَا ببعض، إن القرآن لم ينزل يكذب بَعْضُهُ بَعْضًا، بَلْ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُوا بِهِ، وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ فردوه إِلَى عالمِه"(٤) .
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَمْرو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جده قَالَ: خَرَجَ رسولُ اللَّهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ، وَالنَّاسُ يَتَكَلَّمُونَ فِي الْقَدَرِ، فَكَأَنَّمَا يُفْقَأ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمان مِنَ الْغَضَبِ، فَقَالَ لَهُمْ: "مَا لَكُمْ تَضْرِبُونَ كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ؟ بِهَذَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ". قَالَ: فَمَا غَبَطْتُ نَفْسِي بِمَجْلِسٍ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ولم أَشْهَدْهُ مَا غَبَطْتُ نَفْسِي بِذَلِكَ الْمَجْلِسِ، أَنِّي لَمْ أَشْهَدْهُ.
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، بِهِ نَحْوَهُ(٥) .
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عمْران الجَوْني قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاح، يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: هَجَّرتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا، فَإِنَّا لَجُلُوسٌ إِذِ اخْتَلَفَ اثْنَانِ فِي آيَةٍ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فَقَالَ: "إِنَّمَا هَلَكَتِ الْأُمَمُ قَبْلَكُمْ بِاخْتِلَافِهِمْ فِي الْكِتَابِ" وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، بِهِ(٦) . * * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ﴾ إِنْكَارٌ عَلَى مَنْ يُبَادِرُ إِلَى الْأُمُورِ قَبْلَ تَحَقُّقِهَا، فَيُخْبِرُ بِهَا وَيُفْشِيهَا وَيَنْشُرُهَا، وَقَدْ لَا يَكُونُ لَهَا صِحَّةٌ.
وَقَدْ قَالَ مُسْلِمٌ فِي "مُقَدِّمَةِ صَحِيحِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خُبَيْبِ(٧) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قال: "كفى بالمرء كذبا أَنْ يُحدِّث بِكُلِّ مَا سَمِعَ" وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ "الْأَدَبِ" مِنْ سُنَنِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ إِشْكَابٍ، عَنْ علي بن حفص، عن شعبة مسندًا(٨) ورواه مسلم أيضا من حديث مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ الْعَنْبَرِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ النَّمِرِيِّ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ خُبَيب(٩) عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، بِهِ مُرْسَلًا(١٠) .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ أَيْ: الَّذِي يُكْثِرُ مِنَ الْحَدِيثِ عَمَّا يَقُولُ النَّاسُ مِنْ غَيْرِ تَثبُّت، وَلَا تَدبُّر، وَلَا تبَيُّن(١١) .
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "بِئْسَ مَطِيَّة الرَّجُلِ زَعَمُوا عَلَيْهِ".
وَفِي الصَّحِيحِ: "مَنْ حَدَّث بِحَدِيثٍ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الكاذبَيْن".(١٢) وَيُذْكَرُ(١٣) هَاهُنَا حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ، حِينَ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ طَلَّق نِسَاءَهُ، فَجَاءَهُ مِنْ مَنْزِلِهِ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَوَجَدَ النَّاسَ يَقُولُونَ ذَلِكَ، فَلَمْ يَصْبِرْ حَتَّى اسْتَأْذَنَ عَلِيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَاسْتَفْهَمَهُ: أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ قَالَ: "لَا". فَقُلْتُ اللَّهُ أَكْبَرُ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ(١٤) بِطُولِهِ.
وَعِنْدَ مُسْلِمٍ: فَقُلْتُ: أَطَلَّقْتَهُنَّ؟ فَقَالَ: "لَا" فَقُمْتُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: لَمْ يُطَلِّقْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ نِسَاءَهُ. وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ فَكُنْتُ أَنَا اسْتَنْبَطْتُ ذَلِكَ الْأَمْرَ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ: (يَسْتَنْبِطُونَهُ) أَيْ: يَسْتَخْرِجُونَهُ وَيَسْتَعْلِمُونَهُ مِنْ مَعَادِنِهِ، يُقَالُ: اسْتَنْبَطَ الرَّجُلُ الْعَيْنَ، إِذَا حَفَرَهَا وَاسْتَخْرَجَهَا مِنْ قُعُورِهَا(١٥) .
وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا﴾ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا﴾ يَعْنِي: كُلَّكُمْ. وَاسْتَشْهَدَ مَنْ نَصَرَ هَذَا الْقَوْلَ. بِقَوْلِ الطِّرْمَاحِ بْنِ حَكِيمٍ، فِي مَدْحِ يَزِيدَ بْنِ المُهَلَّب:
أشَمَّ(١٦) كَثِيرَ يَدى النَّوَالِ(١٧) قَلِيلَ المَثَالب والقَادحة(١٨)
يَعْنِي: لَا مَثَالِبَ لَهُ، وَلَا قَادِحَةَ فِيهِ.
[سورة النساء (4) : الآيات 82 الى 83]
أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (82) وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً (83)
يقول تعالى آمرا لهم بِتَدَبُّرِ الْقُرْآنِ وَنَاهِيًا لَهُمْ عَنِ الْإِعْرَاضِ عَنْهُ وَعَنْ تَفَهُّمِ مَعَانِيهِ الْمُحْكَمَةِ وَأَلْفَاظِهِ الْبَلِيغَةِ، وَمُخْبِرًا لَهُمْ أَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَلَا اضْطِرَابَ، وَلَا تَعَارُضَ لِأَنَّهُ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ فَهُوَ حَقٌّ مِنْ حَقٍّ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها
[مُحَمَّدٍ: 24] ، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ أَيْ لَوْ كَانَ مُفْتَعَلًا مُخْتَلَقًا، كما يقوله من يقول مِنْ جَهَلَةِ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ فِي بَوَاطِنِهِمْ لَوَجَدُوا فيه اختلافا، أَيْ اضْطِرَابًا وَتَضَادًّا كَثِيرًا، أَيْ وَهَذَا سَالِمٌ مِنَ الِاخْتِلَافِ، فَهُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ حَيْثُ قَالُوا آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا [آلِ عِمْرَانَ: 7] أَيْ مُحْكَمُهُ وَمُتَشَابِهُهُ حَقٌّ، فَلِهَذَا رَدُّوا الْمُتَشَابِهَ إِلَى الْمُحْكَمِ فَاهْتَدَوْا، وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ رَدُّوا الْمُحْكَمَ إِلَى الْمُتَشَابِهِ فغووا، وَلِهَذَا مَدَحَ تَعَالَى الرَّاسِخِينَ وَذَمَّ الزَّائِغِينَ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «1» : حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، حَدَّثَنَا أبو حازم، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: لَقَدْ جَلَسْتُ أَنَا وَأَخِي مَجْلِسًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ، أَقْبَلْتُ أنا وأخي وإذا مشيخة مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهِ، فَكَرِهْنَا أَنْ نُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ، فَجَلَسْنَا حَجْرَةً «2» إِذْ ذَكَرُوا آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ فَتَمَارَوْا فِيهَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُغْضَبًا حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ يَرْمِيهِمْ بِالتُّرَابِ وَيَقُولُ: «مَهْلًا يَا قَوْمُ بِهَذَا أُهْلِكَتِ الْأُمَمُ مَنْ قَبْلِكُمْ، بِاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، وَضَرْبِهِمُ الْكُتُبَ بَعْضَهَا ببعض، إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضا، إنما نزل يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُوا بِهِ، وما جهلتم منه فردوه إِلَى عَالِمِهِ» وَهَكَذَا رَوَاهُ «3» أَيْضًا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جده، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَالنَّاسُ يَتَكَلَّمُونَ فِي الْقَدَرِ، فَكَأَنَّمَا يُفْقَأُ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ مِنَ الغضب، فقال لهم: «مالكم تَضْرِبُونَ كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، بِهَذَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» قَالَ: فَمَا غَبَطْتُ نَفْسِي بِمَجْلِسٍ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ أَشْهَدْهُ مَا غَبَطْتُ نَفْسِي بِذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَنِّي لَمْ أَشْهَدْهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ بِهِ نَحْوَهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ «4» : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاحٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: هَجَّرْتُ «5» إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم يوما، فإنا لجلوس إذا اخْتَلَفَ اثْنَانِ فِي آيَةٍ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَقَالَ: «إِنَّمَا هَلَكَتِ الْأُمَمُ قَبْلَكُمْ بِاخْتِلَافِهِمْ فِي الْكِتَابِ» . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ بِهِ.
وَقَوْلُهُ: وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ [النساء: 83] إِنْكَارٌ عَلَى مَنْ يُبَادِرُ إِلَى الْأُمُورِ قَبْلَ تَحَقُّقِهَا فَيُخْبِرُ بِهَا وَيُفْشِيهَا وَيَنْشُرُهَا، وَقَدْ لَا يكون لها صحة. وقد قال
مُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كفى بالمرء كذبا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ مِنْ سُنَنِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ إِشْكَابٍ، عَنْ علي بن حفص عن شعبة مسندا، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ الْعَنْبَرِيِّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ حَفْصِ بْنِ عمرو النَّمِرِيِّ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ خُبَيْبٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ بِهِ مُرْسَلًا، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ «1» ، أَيْ الَّذِي يُكْثِرُ مِنَ الْحَدِيثِ عَمَّا يَقُولُ النَّاسُ مِنْ غَيْرِ تَثَبُّتٍ، وَلَا تَدَبُّرٍ، وَلَا تَبَيُّنٍ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «بئس مطية الرجل زعموا» «2» . وَفِي الصَّحِيحِ «مَنْ حَدَّثَ بِحَدِيثٍ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ» .
وَيُذْكَرُ هَاهُنَا حديث عمر بن الخطاب المتفق على صحته حِينَ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، طلق نساءه، فجاء مِنْ مَنْزِلِهِ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَوَجَدَ النَّاسَ يَقُولُونَ ذَلِكَ، فَلَمْ يَصْبِرْ حَتَّى اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَفْهَمَهُ أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ فقال «لَا» فَقُلْتُ: اللَّهُ أَكْبَرُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.
وَعِنْدَ مُسْلِمٍ فَقُلْتُ: أَطَلَّقْتَهُنَّ؟ فَقَالَ «لَا» فَقُمْتُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي، لَمْ يُطَلِّقْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النِّسَاءِ: 83] فَكُنْتُ أَنَا اسْتَنْبَطْتُ ذلك الأمر.
ومعنى يستنبطونه أي يستخرجونه مِنْ مَعَادِنِهِ، يُقَالُ: اسْتَنْبَطَ الرَّجُلُ الْعَيْنَ إِذَا حفرها واستخرجها من قعورها. وقوله: لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء: 83] ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا يَعْنِي كُلَّكُمْ، وَاسْتَشْهَدَ مَنْ نَصَرَ هَذَا الْقَوْلَ بِقَوْلِ الطِّرْمَاحِ بْنِ حَكِيمٍ فِي مَدْحِ يَزِيدَ بن المهلب: [المتقارب]
أشم نديّ كثير النوادي «3» ... قَلِيلَ الْمَثَالِبِ وَالْقَادِحَةْ
يَعْنِي لَا مَثَالِبَ لَهُ ولا قادحة فيه.
Comments
Post a Comment