تفسير ابن عثيمين - فرقان

ا   ب   ت   ث   ج   ح   خ   د   ذ   ر   ز   س   ش   ص   ض   ط   ظ   ع   غ   ف   ق   ك   ل   م   ن   و   ه   ي
A   B   C   D   E   F   G   H   I   J   K   L   M   N   O   P   Q   R   S   T   U   V   W   X   Y   Z
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وأصحابه ومن تَبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
(...) على تفسير هذه السورة على ما تيسَّر، وهي قوله تبارك وتعالى: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (١) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (٢) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (٣) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (٤) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (٥) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (٦) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (٧) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (٨) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ﴾ [الهمزة ١ - ٩].
ففي هذه السورة يبتدئ الله سبحانه وتعالى بكلمة ﴿وَيْلٌ﴾، وهي كلمةُ وعيدٍ؛ أي إنها تدلُّ على ثبوت وعيدٍ لِمَن اتَّصَفَ بهذه الصفات: ﴿هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾ إلى آخره، وقيل: إن ﴿وَيْلٌ﴾ اسمٌ لوادٍ في جهنم، ولكن الأول أصح.
﴿لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾ (كُل) من صِيَغ العموم، والْهُمَزَة واللُّمَزَة: وصْفانِ لموصوفٍ واحدٍ، فهلْ هما بمعنًى واحد -يعني أن ﴿هُمَزَةٍ﴾ و﴿لُمَزَةٍ﴾ معناهما واحد- أو يختلفان في المعنى؟
قال بعض العلماء: إنهما لفظانِ لمعنًى واحدٍ؛ يعني أن الْهُمَزَة هو اللُّمَزَة. وقال بعضهم: بل لكلِّ واحدٍ منهما معنًى غير المعنى الآخَر.
وثَمَّ قاعدةٌ أُحِبُّ أن أُنَبِّه عليها في التفسير وغير التفسير، وهي أنَّه إذا دار الأمر بين أن تكون الكلمةُ مع الأخرى بمعنًى واحدٍ أو لكلِّ كلمةٍ معنًى فإنَّنا نتَّبع الثاني؛ أي نجعل لكلِّ واحدةٍ معنًى؛ لأنَّنا إذا جعلْنا الكلمتين بمعنًى واحدٍ صار في هذا تكرارٌ لا داعيَ له، لكن إذا جعلْنا كلَّ واحدةٍ لها معنًى صار هذا تأسيسًا وتفريقًا بين الكلمتين، والصحيح في هذه الآية: ﴿لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾ أنَّ بينهما فرقًا؛ فالْهَمْزُ بالفعل، واللَّمْزُ باللِّسان؛ كما قال تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ﴾ [التوبة ٥٨].
الْهَمْزُ بالفعل؛ يعني أنَّه يسخر من الناس بفِعْله؛ إمَّا أن يلوي وجهه أو يعبس بوجهه أو ما أشبهَ ذلك، أو بالإشارة؛ لَمَّا يُشير إلى شخصٍ يقول: انظروا إليه، لِيَعيبه، أو ما أشبهَ ذلك.
فالهمْزُ يكون بأيش؟ بالفعل، واللَّمْز باللِّسان، يعني أنَّ بعض الناس -والعياذ بالله- مشغوفٌ بعيب البَشَر؛ إمَّا بفِعْله وهو الهمَّاز، وإمَّا بقوله وهو اللَّمَّاز، وهذا كقوله تعالى: ﴿وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾ [القلم ١٠، ١١].

Comments

Popular posts from this blog

Joker (2019 film) From Wikipedia, the free encyclopedia