موسوعة التفسير الموضوعي - الصيام
عناصر الموضوع
الصيام
أولًا: المعنى اللغوي:
مصدر صام يصوم صومًا، ويطلق على الإمساك1 عن أي فعل أو قول كان2، وقيل: «الإمساك عن الشيء والترك له. وقيل للصائم: صائم؛ لإمساكه عن المطعم والمشرب والمنكح. وقيل للصامت: صائم، لإمساكه عن الكلام. وقيل للفرس: صائم، لإمساكه عن العلف مع قيامه»3.
وقال ابن فارس رحمه الله: «الصاد والواو والميم أصلٌ يدل على إمساكٍ وركودٍ في مكان. من ذلك صوم الصائم، هو إمساكه عن مطعمه ومشربه وسائر ما منعه. ويكون الإمساك عن الكلام صومًا، قالوا في قوله تعالى: فَكُلِي وَٱشۡرَبِي وَقَرِّي عَيْنًاۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِيٓ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيًّا ﴿سورة مريم آية ٢٦﴾.
إنه الإمساك عن الكلام والصمت»4.
وقال ابن منظور رحمه الله: «الصوم: ترك الطعام والشراب والنكاح والكلام، صام يصوم صومًا وصيامًا واصطام، ورجلٌ صائمٌ وصومٌ من قومٍ صوامٍ وصيامٍ وصومٍ، بالتشديد، وصيم، قلبوا الواو لقربها من الطرف؛ وصيمٍ؛ عن سيبويه، كسروا لمكان الياء، وصيامٍ وصيامى، الأخير نادرٌ، وصومٍ وهو اسمٌ للجمع، وقيل: هو جمع صائمٍ»5.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
عبارة عن إمساكٍ مخصوصٍ، وهو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع من الصبح إلى المغرب مع النية6.
وعرفه الحافظ ابن كثير رحمه الله بقوله: «هو: الإمساك عن الطعام والشراب والوقاع بنية خالصة لله عز وجل »7.
فالصيام يكون بالإمساك عن جميع المفطرات من أكل وشرب وجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، لقوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمۡۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّۗ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمۡۖ فَٱلۡـَٰٔنَ بَـٰشِرُوهُنَّ وَٱبْتَغُوا۟ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَكُلُوا۟ وَٱشْرَبُوا۟ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلْأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلْأَسْوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ ثُمَّ أَتِمُّوا۟ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِۚ وَلَا تُبَـٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَـٰكِفُونَ فِي ٱلۡمَسَٰجِدِۗ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقۡرَبُوهَاۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَـٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴿سورة البقرة آية ١٨٧﴾.
فالصلة بين التعريفين اللغوي والاصطلاحي للصيام أنه في اللغة أعم فهو بمعنى الإمساك عن أي قول أو فعل، أو هو بمعنى الترك، وهو في الاصطلاح بمعنى الإمساك عن الأكل والشرب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وكذلك هو ترك الأكل والشرب والنكاح من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مع النية، فبينهما عموم وخصوص، فاللغة أعم من الاصطلاح.
وردت مادة «صوم» في القرآن الكريم (١٤) مرة8.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة | عدد المرات | المثال |
الفعل المضارع | ٢ | أَيَّامًا مَّعْدُودَٰتٍۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَۚ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُۥۚ وَأَن تَصُومُوا۟ خَيْرٌ لَّكُمْۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿سورة البقرة آية ١٨٤﴾. |
المصدر | ١٠ | يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿سورة البقرة آية ١٨٣﴾. |
اسم الفاعل | ٢ | إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَـٰتِ وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَٱلْقَـٰنِتِينَ وَٱلْقَـٰنِتَـٰتِ وَٱلصَّـٰدِقِينَ وَٱلصَّـٰدِقَـٰتِ وَٱلصَّـٰبِرِينَ وَٱلصَّـٰبِرَٰتِ وَٱلْخَـٰشِعِينَ وَٱلْخَـٰشِعَـٰتِ وَٱلْمُتَصَدِّقِينَ وَٱلْمُتَصَدِّقَـٰتِ وَٱلصَّـٰٓئِمِينَ وَٱلصَّـٰٓئِمَـٰتِ وَٱلْحَـٰفِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَٱلْحَـٰفِظَـٰتِ وَٱلذَّٰكِرِينَ ٱللَّهَ كَثِيرًا وَٱلذَّٰكِرَٰتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴿سورة الأحزاب آية ٣٥﴾. |
وجاء الصيام في الاستعمال القرآني على وجهين9:
الأول: الصيام الشرعي المعروف: ومنه قوله تعالى: يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿سورة البقرة آية ١٨٣﴾.
الثاني: الصمت: ومنه قوله تعالى: فَكُلِي وَٱشۡرَبِي وَقَرِّي عَيْنًاۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِيٓ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيًّا ﴿سورة مريم آية ٢٦﴾. أي: سكوتًا.
العبادة:
العبادة لغةً:
من الفعل عبد يعبد، عبادةً وعبوديةً، والمفعول: معبود، وعبد الله بمعنى وحده وأطاعه، وانقاد وخضع وذل له، والتزم شرائع دينه، وأدى فرائضه10.
العبادة اصطلاحًا:
قال المناوي: «العبادة فعل المكلف على خلاف هوى نفسه؛ تعظيمًا لربه، وقيل: هي الأفعال الواقعة على نهاية ما يمكن من التذلل والخضوع المتجاوز لتذلل بعض العباد لبعض، ولذلك اختصت بالرب، وهي أخص من العبودية التي تعني مطلق التذلل»11.
وقال الراغب: «العبودية: إظهار التذلل، والعبادة أبلغ منها؛ لأنها غاية التذلل، ولا يستحقها إلا من له غاية الإفضال وهو الله تعالى »12.
الصلة بين العبادة والصيام:
العبادة أعم من الصيام، فالصيام نوع من أنواع العبادات التي شرعها الله تعالى.
الإمساك:
الإمساك لغة:
أصل الإمساك حبس النفس عن الفعل ومنه المساك وهو مكان يمسك الماء أي يحبسه، والجمع مسكٌ، والمسكة السوار سمي بذلك لأنه يلزم المعصم فهو كالمحبوس فيه، ونقيض الاستمساك الاسترسال، ونقيض الإمساك الإرسال »13. والإمساك عن الكلام هو السكوت، فالسكوت إمساك عن قولة الحق والباطل14.
وأيضًا الإمساك يطلق على البخل، فيقال: رجل مسيك يعني بخيل، وفيه إمساكٌ ومسكةٌ بالضم وبضمتين، وكسحابٍ وسحابةٍ وكتابٍ وكتابةٍ: بخلٌ15.
الإمساك اصطلاحًا:
لا يخرج عن أحد معانيه اللغوية.
الصلة بين الإمساك والصيام:
أن الإمساك أعم من الصيام، والصيام أخص، وهو الإمساك عن المفطرات من أكل، وشرب، وجماع، وغير ذلك.
إن الله تبارك وتعالى فرض الصوم على هذه الأمة كما فرضه على الأمم من قبل؛ لما فيه من الثواب العظيم والأجر الكبير، ولأن الله جعله سببًا في حصول التقوى فقال سبحانه: يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿سورة البقرة آية ١٨٣﴾.
فأخبر الله تبارك وتعالى عباده المؤمنون بأنه فرض عليهم الصيام وأوجبه كما فرضه على الأمم السابقة16.
قال ابن سعدي رحمه الله: « يخبر تعالى بما من به على عباده، بأنه فرض عليهم الصيام، كما فرضه على الأمم السابقة؛ لأنه من الشرائع والأوامر التي هي مصلحة للخلق في كل زمان.
وفيه تنشيط لهذه الأمة، بأنه ينبغي لكم أن تنافسوا غيركم في تكميل الأعمال، والمسارعة إلى صالح الخصال، وأنه ليس من الأمور الثقيلة، التي اختصيتم بها »17.
وقال أبو زهرة رحمه الله: « كتب بمعنى فرض؛ لأنه قرره الله تعالى، وكتبه حتى صار مكتوبًا على المؤمنين، وقد أكد سبحانه الفرضية بقوله تعالى: (ﭧ)، وبأنه شريعة النبيين أجمعين؛ ولذا قال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) وأنه سبيل لتقوى النفس؛ ولذا قال: (ﯦ) وذكر أنه أيامًا معدودات معروفة القدر، مبينة الابتداء والانتهاء »18.
والمراد بقوله: (ﭬ ﭭ ﭮ)، قيل: بأنهم أهل الكتاب، وقيل: بأنهم النصارى، وقيل: بأنهم جميع الناس19، ولكن الآية عامة فتشمل جميع الأمم السابقة.
ثم إن أهل العلم اختلفوا في المعنى الذي وقع فيه التشبيه بين صومنا وصوم من قبلنا، فقال بعضهم كما قال الطبري رحمه الله: « الذين أخبرنا الله عن الصوم الذي فرضه علينا أنه كمثل الذي كان عليهم هم النصارى، وقالوا: التشبيه الذي شبه من أجله أحدهما بصاحبه هو اتفاقهما في الوقت والمقدار الذي هو لازم لنا اليوم فرضه.
وقال آخرون: بل التشبيه إنما هو من أجل أن صومهم كان من العشاء الآخرة إلى العشاء الآخرة، وذلك كان فرض الله جل ثناؤه على المؤمنين في أول ما افترض عليهم الصوم. ووافق قائلو هذا القول القائلي القول الأول أن الذين عنى الله جل ثناؤه بقوله: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) النصارى »20.
وقال الماوردي رحمه الله: « واختلفوا في موضع التشبيه بين صومنا، وصوم الذين من قبلنا، على قولين:
أحدهما: أن التشبيه في حكم الصوم وصفته، لا في عدده؛ لأن اليهود يصومون من العتمة إلى العتمة، ولا يأكلون بعد النوم شيئًا، وكان المسلمون على ذلك في أول الإسلام، لا يأكلون بعد النوم شيئًا حتى كان من شأن عمر بن الخطاب وأبي قيس بن صرمة ما كان، فأجل الله تعالى لهم الأكل والشرب، وهذا قول الربيع بن أنس، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بين صومنا وصوم أهل الكتاب أكلة السحر)21.
والقول الثاني: أن التشبيه في عدد الصوم، وفيه قولان:
أحدهما: أن النصارى كان الله فرض عليهم صيام ثلاثين يومًا كما فرض علينا، فكان ربما وقع في القيظ، فجعلوه في الفصل بين الشتاء والصيف، ثم كفروه بصوم عشرين يومًا زائدة؛ ليكون تمحيصًا لذنوبهم وتكفيرًا لتبديلهم، وهذا قول الشعبي.
والثاني: أنهم اليهود كان عليهم صيام ثلاثة أيام من كل يوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر، فكان على ذلك سبعة عشر شهرًا إلى أن نسخ بصوم رمضان، قال ابن عباس: كان أول ما نسخ شأن القبلة والصيام الأول»22.
ثم إنه حصل في صيام الإسلام ما يخالف صيام أهل الكتاب في قيود ماهية الصيام وكيفيتها، ولم يكن صيامنا مماثلًا لصيامهم تمام المماثلة، والتشبيه في أصل فرض ماهية الصوم لا في الكيفيات، والتشبيه يكتفى فيه ببعض وجوه المشابهة وهو وجه الشبه المراد في القصد، وليس المقصود من هذا التشبيه الحوالة في صفة الصوم على ما كان عليه عند الأمم السابقة، ولكن فيهم أغراضًا ثلاثة تضمنها التشبيه:
أحدها: الاهتمام بهذه العبادة، والتنويه بها؛ لأنها شرعها الله قبل الإسلام لمن كانوا قبل المسلمين، وشرعها للمسلمين، وذلك يقتضي اطراد صلاحها ووفرة ثوابها، وإنهاض همم المسلمين لتلقي هذه العبادة؛ كي لا يتميز بها من كان قبلهم،...
والغرض الثاني: أن في التشبيه بالسابقين تهوينًا على المكلفين بهذه العبادة أن يستثقلوا هذا الصوم فإن في الاقتداء بالغير أسوة في المصاعب.
والغرض الثالث: إثارة العزائم للقيام بهذه الفريضة؛ حتى لا يكونوا مقصرين في قبول هذا الفرض بل ليأخذوه بقوة تفوق ما أدى به الأمم السابقة23.
فالصيام عبادة قديمة فرضها الله سبحانه على هذه الأمة كما فرضه على الأمم السابقة، أخبرنا الله بهذا؛ لتشحذ الهمم وتنشط للعبادة؛ لتنال الغاية العظمى من الصيام وهي تقوى الله جل جلاله.
إن الله سبحانه وتعالى شرع هذا الدين للناس وهو الغني عنهم، لا تنفعه عبادة العابدين، ولا تضره معصية العاصين، شرع لعباده عبادة الصيام، والصيام أنواع كسائر العبادات، فمنه الواجب ومنه المندوب المستحب، والواجب منه ما هو واجب بأمر لله بفعله من المكلف كصوم رمضان، أو ما أوجبه على نفسه بالنذر؛ لأن النذر يجب الوفاء به، ومنه ما هو مندوب مستحب فعله، وسيأتي فيما يأتي بيان كل نوع على حدة.
أولًا: صوم رمضان:
صيام شهر رمضان فرض من الله تبارك وتعالى على عباده، ودليله من الكتاب والسنة والإجماع، فمن الكتاب قول الرب تبارك وتعالى: يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿سورة البقرة آية ١٨٣﴾.
إلى قوله: أَيَّامًا مَّعْدُودَٰتٍۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَۚ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُۥۚ وَأَن تَصُومُوا۟ خَيْرٌ لَّكُمْۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿سورة البقرة آية ١٨٤﴾. شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْءَانُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا۟ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا۟ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿سورة البقرة آية ١٨٥﴾.
يعني: فرض عليكم مثل الذي فرض على الذين من قبلكم. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن صوم رمضان أحد أركانه الخمسة التي بني عليها كما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما: (بني الإسلام على خمس، على أن يعبد الله، ويكفر بما دونه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان)24.
ثم اختلف أهل التأويل في الذين عنى الله بقوله: يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿سورة البقرة آية ١٨٣﴾. وفي المعنى الذي وقع فيه التشبيه بين فرض صومنا، وصوم الذين من قبلنا، فقال بعضهم: الذين أخبرنا الله عن الصوم الذي فرضه علينا أنه كمثل الذي كان عليهم هم النصارى، وقالوا: التشبيه الذي شبه من أجله أحدهما بصاحبه هو اتفاقهما في الوقت والمقدار الذي هو لازم لنا اليوم فرضه25.
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «يقول تعالى مخاطبًا للمؤمنين من هذه الأمة وآمرًا لهم بالصيام، وهو: الإمساك عن الطعام والشراب والوقاع بنية خالصة لله عز وجل، لما فيه من زكاة النفس وطهارتها وتنقيتها من الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة. وذكر أنه كما أوجبه عليهم فقد أوجبه على من كان قبلهم، فلهم فيه أسوة، وليجتهد هؤلاء في أداء هذا الفرض أكمل مما فعله أولئك»26.
فصيام شهر رمضان المبارك ثابت في القرآن وكذلك في السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، وأخبر سبحانه بأنه فرضه علينا كما فرضه على الأمم السابقة؛ تنشيطًا لهذه الأمة ودعوة لها للمسابقة والمنافسة للأمم السابقة، وبين سبحانه الغاية من فريضة الصيام وهو حصول التقوى فقال: (ﭯ ﭰ).
ثانيًا: صوم الكفارات:
تقدم أن الصيام هو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع، يعني الإمساك عن جميع المفطرات، والكفارات هنا جمع كفارة، قال الكاساني رحمه الله: «الكفارات المعهودة في الشرع خمسة أنواع: كفارة اليمين، وكفارة الحلق، وكفارة القتل، وكفارة الظهار، وكفارة الإفطار، وكلها واجبة إلا أن أربعة منها عرف وجوبها بالكتاب العزيز، وواحدة منها عرف وجوبها بالسنة، أما الأربعة التي عرف وجوبها بالكتاب العزيز فكفارة اليمين، وكفارة الحلق، وكفارة القتل، وكفارة الظهار،. والكفارة في عرف الشرع اسم للواجب»27، أي: ما أوجبه الله تعالى على من أتى شيئًا منهيًا عنه، أو قصر في مأمور به.
وسميت الكفارة بهذا الاسم؛ لأنها تكفر الذنوب وتسترها، فالحكمة من الكفارة تكفير للذنوب والسيئات التي تقع من العبد، والكفارات أنواع، هي:
١. كفارة القتل الخطأ.
لشناعة القتل جعل الله تبارك وتعالى للقاتل عقوبة رادعة، فمن قتل عمدًا قتل قصاصًا، ومن قتل خطًا فإنه يلزمه الدية والكفارة، والكفارة هنا مغلظة هي تحرير رقبة مؤمنة مع الدية إلا أن يعفو فإن الدية تسقط لكن الكفارة لابد أن يأتي بها، فإن لم يستطع تحرير الرقبة فإن عليه أن يصوم شهرين متتابعين.
قال رب العزة مبينًا ذلك: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَـًٔاۚ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَـًٔا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰٓ أَهْلِهِۦٓ إِلَّآ أَن يَصَّدَّقُوا۟ۚ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّۢ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍۖ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍۭ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَـٰقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰٓ أَهْلِهِۦ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴿سورة النساء آية ٩٢﴾.
قال الطاهر ابن عاشور رحمه الله: «وقوله: (ﮇ ﮈ ﮉ) وصف الشهران بأنهما متتابعان والمقصود تتابع أيامهما؛ لأن تتابع الأيام يستلزم توالي الشهرين»28.
وقال صاحب كتاب اللباب رحمه الله: «الكفارة تكون بإعتاق رقبةٍ مؤمنةٍ سواء كان المقتول مسلمًا أو معاهدًا، رجلًا أو امرأةً، حرًا كان أو عبدًا، وتكون في مال القاتل.
قوله تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ)، قوله: (ﮄ ﮅ ﮆ) مفعوله محذوفٌ: أي: فمن لم يجد رقبة، وهي بمعنى وجدان الضال، فلذلك تعدت لواحدٍ، وقوله: (ﮇ ﮈ) ارتفاعه على أحد الأوجه المذكورة في قوله: (ﭞ ﭟ ﭠ)، أي: فعليه صيام، أو: فيجب عليه صيام، أو فواجبه صيام»29.
وقال ابن سعدي رحمه الله: «(ﮄ ﮅ ﮆ) الرقبة ولا ثمنها، بأن كان معسرًا بذلك، ليس عنده ما يفضل عن مؤنته وحوائجه الأصلية شيء يفي بالرقبة، (ﮇ ﮈ ﮉ) أي: لا يفطر بينهما من غير عذر، فإن أفطر لعذر فإن العذر لا يقطع التتابع، كالمرض والحيض ونحوهما. وإن كان لغير عذر انقطع التتابع ووجب عليه استئناف الصوم.
(ﮊ ﮋﮌﮍ) أي: هذه الكفارات التي أوجبها الله على القاتل توبة من الله على عباده ورحمة بهم، وتكفير لما عساه أن يحصل منهم من تقصير وعدم احتراز، كما هو واقع كثيرًا للقاتل خطأ»30.
فكفارة قتل الخطأ تحرير رقبة مؤمنة فإن لم يستطع فصيام شهرين متتابعين، ومن قطع التتابع لعذر كمرض أو حيض أو نفاس فإنه يستأنف ولا يعيد، بخلاف من قطع من غير عذر فإنه يجب عليه أن يعيد من جديد.
٢. كفارة من لم يجد الهدي في الحج، ومن أحصر أو حلق رأسه.
بين الله تبارك وتعالى أن من أحرم بالحج أو العمرة فأحصر فلا يتحلل حتى ينحر هديه ومن لم يجد الهدي فإنه يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى بلده، وكذلك من كان به أذىً في رأسه أو مرضًا فإن له أن يحلق رأسه ويفتدي فقال سبحانه: وَأَتِمُّوا۟ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ لِلَّهِۚ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلۡهَدۡيِۖ وَلَا تَحْلِقُوا۟ رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلۡهَدۡيُ مَحِلَّهُۥۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِۦٓ أَذًى مِّن رَّأْسِهِۦ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍۚ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلۡهَدۡيِۚ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَـٰثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعۡتُمۡۗ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌۗ ذَٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُۥ حَاضِرِي ٱلْمَسْجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ ﴿سورة البقرة آية ١٩٦﴾.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «يقول تعالى: فمن لم يجد هديًا فليصم ثلاثة أيام في الحج، أي: في أيام المناسك، قال العلماء: والأولى أن يصومها قبل يوم عرفة في العشر، قاله عطاء. أو من حين يحرم، قاله ابن عباس وغيره، لقوله: (ﰉ ﰊ) ومنهم من يجوز صيامها من أول شوال، قاله طاوس ومجاهد وغير واحد. وجوز الشعبي صيام يوم عرفة وقبله يومين، وكذا قال مجاهد، وسعيد بن جبير، والسدي، وعطاء، وطاوس، والحكم، والحسن، وحماد، وإبراهيم، وأبو جعفر الباقر، والربيع، ومقاتل بن حيان. وقال العوفي، عن ابن عباس: إذا لم يجد هديًا فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج قبل يوم عرفة، فإذا كان يوم عرفة الثالث فقد تم صومه وسبعة إذا رجع إلى أهله.
فلو لم يصمها أو بعضها قبل يوم العيد فهل يجوز أن يصومها في أيام التشريق؟ فيه قولان للعلماء، وهما للإمام الشافعي أيضًا، القديم منهما: أنه يجوز له صيامها لقول عائشة وابن عمر في صحيح البخاري: لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لا يجد الهدي. وإنما قالوا ذلك لعموم قوله: (ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ)، وقد روي عن علي أنه كان يقول: من فاته صيام ثلاثة أيام في الحج صامهن أيام التشريق. وبهذا يقول عبيد بن عمير الليثي وعكرمة، والحسن البصري، وعروة بن الزبير؛ وإنما قالوا ذلك لعموم قوله: (ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) والجديد من القولين: أنه لا يجوز صيامها أيام التشريق، لما رواه مسلم عن نبيشة الهذلي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله)31.
وقوله: (ﰋ ﰌ ﰍﰎ) فيه قولان:
أحدهما: إذا رجعتم في الطريق، ولهذا قال مجاهد: هي رخصة إذا شاء صامها في الطريق.
والقول الثاني: إذا رجعتم إلى أوطانكم؛ وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إذا رجع إلى أهله، وحكى الإجماع على ذلك أبو جعفر ابن جرير»32.
وقال ابن سعدي رحمه الله: «(ﰃ ﰄ ﰅ) أي: الهدي أو ثمنه (ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) أول جوازها من حين الإحرام بالعمرة، وآخرها ثلاثة أيام بعد النحر، أيام رمي الجمار، والمبيت بـ «منى»ولكن الأفضل منها أن يصوم السابع، والثامن، والتاسع، (ﰋ ﰌ ﰍﰎ) أي: فرغتم من أعمال الحج، فيجوز فعلها في مكة، وفي الطريق، وعند وصوله إلى أهله»33.
٣. كفارة من قتل صيدًا متعمدًا وهو محرم في الحرم.
قال الله تبارك وتعالى مبينًا ذلك: يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَقْتُلُوا۟ ٱلصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌۚ وَمَن قَتَلَهُۥ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِۦ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًۢا بَـٰلِغَ ٱلْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّـٰرَةٌ طَعَامُ مَسَـٰكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمۡرِهِۦۗ عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَفَۚ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ ٱللَّهُ مِنۡهُۚ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنتِقَامٍ ﴿سورة المائدة آية ٩٥﴾.
يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله (ﯝ ﯞ ﯟ) الذي بينت لكم، وهو صيد البر دون صيد البحر (ﯠ ﯡﯢ) يقول: وأنتم محرمون بحج أو عمرة، والحرم: جمع حرام، والذكر والأنثى فيه بلفظ واحد، تقول: هذا رجل حرام، وهذه امرأة حرام، فإذا قيل محرم، قيل للمرأة محرمة. والإحرام: هو الدخول فيه، يقال: أحرم القوم: إذا دخلوا في الشهر الحرام، أو في الحرم. فتأويل الكلام: لا تقتلوا الصيد وأنتم محرمون بحج أو عمرة.
وقوله: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) فإن هذا إعلام من الله تعالى ذكره عباده حكم القاتل من المحرمين الصيد الذي نهاه عن قتله متعمدًا ثم اختلف أهل التأويل في صفة العمد الذي أوجب الله على صاحبه به الكفارة والجزاء في قتله الصيد، فقال بعضهم: هو العمد لقتل الصيد مع نسيان قاتله إحرامه في حال قتله، وقال: إن قتله وهو ذاكر إحرامه متعمدًا قتله فلا حكم عليه وأمره إلى الله، قالوا: وهذا أجل أمرًا من أن يحكم عليه أو يكون له كفارة 34.
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «وقوله: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) أي: إذا لم يجد المحرم مثل ما قتل من النعم أو لم يكن الصيد المقتول من ذوات الأمثال، أو قلنا بالتخيير في هذا المقام من الجزاء والإطعام والصيام، كما هو قول مالك، وأبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن، وأحد قولي الشافعي، والمشهور عن أحمد رحمهم الله، لظاهر الآية «أو» فإنها للتخيير. والقول الآخر: أنها على الترتيب.
فصورة ذلك أن يعدل إلى القيمة، فيقوم الصيد35 المقتول عند مالك، وأبي حنيفة وأصحابه، وحماد، وإبراهيم. وقال الشافعي: يقوم مثله من النعم لو كان موجودًا، ثم يشترى به طعام ويتصدق به، فيصرف لكل مسكين مد36 منه عند الشافعي، ومالك، وفقهاء الحجاز، واختاره ابن جرير.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: يطعم كل مسكين مدين، وهو قول مجاهد.
وقال أحمد: مد من حنطة، أو مدان من غيره، فإن لم يجد، أو قلنا بالتخيير صام عن إطعام كل مسكين يومًا.
وقال ابن جرير: وقال آخرون: يصوم مكان كل صاع يومًا، كما في جزاء المترفه بالحلق ونحوه، فإن الشارع أمر كعب بن عجرة أن يقسم فرقًا بين ستة، أو يصوم ثلاثة أيام، والفرق ثلاثة آصع»37.
فمن قتل الصيد متعمدًا فعليه جزاء مثل ما قتل من النعم، قال ابن سعدي رحمه الله: «(ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) أي: كفارة ذلك الجزاء طعام مساكين، أي: يجعل مقابلة المثل من النعم، طعامًا يطعم المساكين.
قال كثير من العلماء: يقوم الجزاء، فيشترى بقيمته طعام، فيطعم كل مسكين مد برٍ أو نصف صاع من غيره. (ﯹ ﯺ ﯻ) الطعام (ﯼ) أي: يصوم عن إطعام كل مسكين يومًا»38.
٤. كفارة اليمين.
من حلف على شيء فحنث فيها لزمته الكفارة، وكفارة اليمين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، خيرهم بين هذين الأمرين الإطعام أو الكسوة أو تحرير الرقبة، فمن لم يستطع فعليه أن يصوم ثلاثة أيام، كما قال سبحانه: لَا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِيٓ أَيۡمَٰنِكُمۡ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلۡأَيۡمَٰنَۖ فَكَفَّٰرَتُهُۥٓ إِطۡعَامُ عَشَرَةِ مَسَٰكِينَ مِنۡ أَوۡسَطِ مَا تُطۡعِمُونَ أَهۡلِيكُمۡ أَوۡ كِسۡوَتُهُمۡ أَوۡ تَحۡرِيرُ رَقَبَةٍۖ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٍۚ ذَٰلِكَ كَفَّٰرَةُ أَيۡمَٰنِكُمۡ إِذَا حَلَفۡتُمۡۚ وَٱحۡفَظُوٓاْ أَيۡمَٰنَكُمۡۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ﴿سورة المائدة آية ٨٩﴾.
فهذه خصال ثلاث في كفارة اليمين، أيها فعل الحانث أجزأ عنه بالإجماع. وقد بدأ بالأسهل فالأسهل، فالإطعام أيسر من الكسوة، كما أن الكسوة أيسر من العتق، فرقي فيها من الأدنى إلى الأعلى. فإن لم يقدر المكلف على واحدة من هذه الخصال الثلاث كفر بصيام ثلاثة أيام، كما قال تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ)39.
قال العلامة ابن سعدي رحمه الله: «(ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) أي: في أيمانكم التي صدرت على وجه اللغو، وهي الأيمان التي حلف بها المقسم من غير نية ولا قصد، أو عقدها يظن صدق نفسه، فبان بخلاف ذلك. (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ) أي: بما عزمتم عليه، وعقدت عليه قلوبكم. كما قال في الآية الأخرى: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ)، (ﯟ) أي: كفارة اليمين الذي عقدتموها بقصدكم (ﯠ ﯡ ﯢ).
وذلك الإطعام (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) أي: كسوة عشرة مساكين، والكسوة هي التي تجزئ في الصلاة. (ﯪ ﯫ ﯬﯭ) أي: عتق رقبة مؤمنة كما قيدت في غير هذا الموضع، فمتى فعل واحدًا من هذه الثلاثة فقد انحلت يمينه.
(ﯮ ﯯ ﯰ) واحدًا من هذه الثلاثة (ﯱ ﯲ ﯳﯴ) المذكور(ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ) تكفرها وتمحوها وتمنع من الإثم»40.
فهذه الآية دالة على جواز الصيام عند العجز عن الإطعام أو الكسوة أو تحرير الرقبة ولا يشترط تتابع الصيام؛ لأنه لا دليل على التتابع.
٥. كفارة الظهار.
الظهار الأصل فيه قول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي41.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «أصل الظهار مشتق من الظهر، وذلك أن الجاهلية كانوا إذا تظاهر أحد من امرأته قال لها: أنت علي كظهر أمي، ثم في الشرع كان الظهار في سائر الأعضاء قياسًا على الظهر، وكان الظهار عند الجاهلية طلاقًا، فأرخص الله لهذه الأمة وجعل فيه كفارة، ولم يجعله طلاقًا كما كانوا يعتمدونه في جاهليتهم. هكذا قال غير واحد من السلف»42.
وقال البغوي رحمه الله: «وصورة الظهار: أن يقول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي»43.
والظهار هذا سماه الله تبارك وتعالى زورًا؛ وذلك لأنه شبه زوجته بأمه كما في قوله سبحانه: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ) [المجادلة: ٢].
ثم بين الله تبارك وتعالى ما يلزم من ظاهر من زوجته ثم أراد أن يعود إليها من الكفارة، فقال سبحانه: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [المجادلة: ٣-٤].
الظهار قول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي، سمي ظهارًا؛ لأنه قصد تحريم ظهرها عليه، وقيل: لأنه قد جعلها عليه كظهر أمه، وقد كان في الجاهلية طلاقًا ثلاثًا لا رجعة فيه ولا إباحة بعده فنسخه الله إلى ما استقر عليه الشرع من وجوب الكفارة فيه بالعود44.
قال الطبري رحمه الله: «يقول تعالى ذكره: فمن لم يجد منكم ممن ظاهر من امرأته رقبة يحررها، فعليه صيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا؛ والشهران المتتابعان هما اللذان لا فصل بينهما بإفطار في نهار شيء منهما إلا من عذر، فإنه إذا كان الإفطار بالعذر ففيه اختلاف بين أهل العلم، فقال بعضهم: إذا كان إفطاره لعذر فزال العذر بنى على ما مضى من الصوم. وقال آخرون: بل يستأنف؛ لأن من أفطر بعذر أو غير عذر لم يتابع صوم شهرين»45.
وقال: «وقوله: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ) يقول جل ثناؤه: هذا الذي فرضت على من ظاهر منكم ما فرضت في حال القدرة على الرقبة، ثم خففت عنه مع العجز بالصوم، ومع فقد الاستطاعة على الصوم بالإطعام، وإنما فعلته؛ كي تقر الناس بتوحيد الله ورسالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ويصدقوا بذلك، ويعملوا به، وينتهوا عن قول الزور والكذب»46.
ثالثًا: صوم التطوع:
إن من رحمة الله تبارك وتعالى بعباده أن شرع لهم بعد كل فريضة نافلة من جنسها؛ لتكون جابرة لما يعتريها من النقص والقصور، ومن ذلك الصيام، فقد شرع الله تبارك وتعالى بعد فريضة صيام رمضان نوافل متعددة، لكن لم يرد في كتاب الله تعالى ما يدل على نوافل الصيام صراحة، وإنما يدخل ذلك ضمن فعل الخيرات، (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ) [البقرة: ١٨٤].
وقال حاثًا على المسارعة والمسابقة إلى فعل الخيرات: (ﭯ ﭰﭱ) [البقرة: ١٤٨].
وقال الله تبارك وتعالى آمرًا لنا بأخذ ما أتانا به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ) [الحشر: ٧].
إن الله تبارك وتعالى من أسمائه الحكيم سبحانه، فلا يخلق ولا يشرع ولا يأمر بشيء إلا لحكم عظيمة علمها من علمها وجهلها من جهلها، ومن ذلك أن الله تبارك وتعالى شرع فريضة الصيام، لحكم ومقاصد عظيمة فيما يلي نعرض لبعض هذه الحكم، التي ذكر الله سبحانه بعضها في كتابه، وبعضها ورد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضها تستنبط استنباطًا، فمنها:
أولًا: حصول التقوى:
أبان الله تبارك وتعالى في كتابه العظيم هذه الحكمة وهذا المقصد في كتابه الكريم فقال سبحانه: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [البقرة: ١٨٣].
فالتقوى غاية ومقصد عظيم من مقاصد الصيام، هي أن يستشعر العبد عظمة الله تبارك وتعالى ومراقبته لنا في كل أحوالنا، حركاتنا وسكناتنا، في خلواتنا وبين الناس؛ لنرتقي في مفهوم العبادات، فمن المصيبة أن تتحول العبادات إلى عادات فلا نحس بها ولا تثمر فينا الخشية من الله ولا التقوى، وربما يكون نصيب العبد من صومه الجوع والعطش والعياذ بالله؛ لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم محذرًا: (رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر)47.
قال البغوي رحمه الله في قوله: (ﭯ ﭰ): «يعني بالصوم؛ لأن الصوم وصلة إلى التقوى لما فيه من قهر النفس وكسر الشهوات، وقيل: لعلكم تحذرون عن الشهوات من الأكل والشرب والجماع»48.
وقال الخطيب رحمه الله: «فقد كان الصوم مفروضًا على من تقدمنا من الأمم (ﭯ) بسبب هذا الصيام (ﭰ) الله تعالى، وتخشون غضبه، وتعملون بأوامره؛ ومن هذا يعلم أن الصيام يبعث على الإيمان الصادق، ويرقق القلب، ويصفي النفس، ويعين على خشية الله تعالى؛ ولذا استعان به الأنبياء في تحقيق مآربهم، والأولياء في تهذيب نفوسهم، والخاصة في شفاء قلوبهم، والعامة في شفاء جسومهم»49.
فإن الصيام من أكبر أسباب التقوى؛ لأن فيه امتثال أمر الله واجتناب نهيه، فالصائم يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب والجماع وغير ذلك مما تميل إليها نفسه، متقربًا بذلك إلى الله، راجيًا بتركها، ثوابه، فهذا من التقوى، فالتقوى هي التي تحرس هذه القلوب من إفساد الصوم بالمعصية، ولو تلك التي تهجس في البال، والمخاطبون بهذا القرآن يعلمون مقام التقوى عند الله، ووزنها في ميزانه.
فهي غاية تتطلع إليها أرواحهم. وهذا الصوم أداة من أدواتها، وطريق موصل إليها. ومن ثم يرفعها السياق أمام عيونهم هدفًا وضيئًا يتجهون إليه عن طريق الصيام (ﭯ ﭰ).
فالصيام يدرب الإنسان على مراقبة الله تعالى، وترك ما تهوى نفسه، مع قدرته عليه، ويضيق مجاري الشيطان؛ لأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم، فبالصيام، يضعف نفوذه، وتقل المعاصي، وتكثر الطاعات التي هي من خصال التقوى.
فالصوم عبادة يتقرب بها العبد لربه بترك محبوباته، وقمع شهواته، فيضبط نفسه بالتقوى ومراقبة الله سبحانه وتعالى في كل مكان وزمان، قال العلامة ابن القيم رحمه الله كلامًا طيبًا عن الصيام: «فهو لجام المتقين، وجنة المحاربين، ورياضة الأبرار والمقربين، وهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال، فإن الصائم لا يفعل شيئًا، وإنما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده، فهو ترك محبوبات النفس وتلذذاتها إيثارًا لمحبة الله ومرضاته، وهو سرٌ بين العبد وربه لا يطلع عليه سواه، والعباد قد يطلعون منه على ترك المفطرات الظاهرة، وأما كونه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده، فهو أمر لا يطلع عليه بشرٌ، وذلك حقيقة الصوم»50.
وإن الناظر في كتاب الله يلحظ ما أعده الله لهم من الأجر العظيم والثواب الكبير، ودعانا للمسارعة فقال: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [آل عمران: ١٣٣].
وقال: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [القلم: ٣٤].
وقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [النبأ: ٣١-٣٣] الآيات.
ثانيًا: تزكية النفس وإبعادها عن الشهوات:
من مقاصد هذه العبادة الجليلة أن فيه تزكية للنفس وتهذيب لها وتنقية من الرذيلة؛ فبالصيام يضيق مجاري الشيطان في جسد الإنسان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)51؛ لهذا حث النبي صلى الله عليه وسلم وأرشد الذي لم يستطع الزواج على الصوم كما ثبت في الصحيحين: (يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)52، فالجوع يكسر الشهوة ويكبح جماحها، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «لأن الصوم فيه تزكية للبدن وتضييق لمسالك الشيطان؛ ولهذا ثبت في الصحيحين: (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)، ثم بين مقدار الصوم، وأنه ليس في كل يوم؛ لئلا يشق على النفوس فتضعف عن حمله وأدائه، بل في أيام معدودات» 53.
وقال ابن القيم رحمه الله: «وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة والقوى الباطنة، وحميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها، واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها، فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها، ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات، فهو من أكبر العون على التقوى، كما قال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) »54.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: «الصيام يضيق مجاري الدم التي هي مجاري الشيطان من ابن آدم؛ فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فتسكن بالصيام وساوس الشيطان، وتنكسر سورة الشهوة والغضب، ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم «الصوم وجاء» لقطعه عن شهوة النكاح»55.
فالصوم يسكن النفس الأمارة بالسوء، ويهذبها فالإنسان عندما يكون صائمًا يكون في بعدٍ من تأثير الشيطان عليه بسبب أن الصوم يضيق على الشيطان مجاري الدم فيه فيضعف تأثيره عليه، ويكون الصيام وقاية للعبد من النار؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (الصيام جنة)56.
ثالثًا: تذكر المساكين والمحتاجين:
من مقاصد وحكم هذه العبادة الجليلة أن العبد يحس بالجوع والتعب؛ ليتذكر حال إخوانه الفقراء والمحتاجين الذين يقاسون ويعانون مرارة الجوع والحرمان.
لا يعرف الشوق إلا من يكابده
ولا الصبابة إلا من يعانيها57
قال العلامة ابن الهمام رحمه الله: «كونه -أي: الصيام- موجبًا للرحمة والعطف على المساكين فإنه لما ذاق ألم الجوع في بعض الأوقات ذكر من هذا في عموم الأوقات فتسارع إليه الرقة عليه»58.
وقال ابن رجب رحمه الله: «وسئل بعض السلف: لم شرع الصيام؟ قال: ليذوق الغني طعم الجوع فلا ينسى الجائع»59.
فإذا أحس بالجوع عرف ما يعاني الفقراء والمساكين فعطف عليهم وواساهم وأحسن إليهم.
فهذا بعض ما تيسر قوله من حكم الصيام، وأولها وأعظمها تقوى الله عز وجل، وتزكية النفس وتهذيبها، وتذكر المساكين والمحتاجين، وغير ذلك.
الله تبارك وتعالى خلق الخلق، وهو أعلم بهم وبما يمرون به من أحوال، من صحة ومرض، يسبب له عدم الاستطاعة للعبادة، أو يسبب له الوقوع في مشقة، ففرض عليهم الصيام، وهو -كما تقدم- الإمساك عن جميع المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وبما أن الإنسان قد يقع في عذر يمنعه من الصيام، فسيتناول البحث بالحديث أعذار الفطر في الأسطر التالية، وهي كالتالي:
أولًا: أصحاب الأعذار في الفطر:
- المسافر والمريض.
قال تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ) [البقرة: ١٨٤].
بمعنى أن الله سبحانه وتعالى فرض على عباده صيام رمضان فمن كان مسافرًا أو مريضًا فيجوز أن يفطر ويصوم فيما بعد، والسفر هو قطع المسافة يقال ذلك إذا خرج للارتحال أو لقصد موضع فوق مسافة العدوى60؛ لأن العرب لا يسمون مسافة العدوى سفرًا وقال بعض المصنفين: «أقل السفر يوم»61.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في هذه الآية: « ثم بين حكم الصيام على ما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام، فقال: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ) أي: المريض والمسافر لا يصومان في حال المرض والسفر؛ لما في ذلك من المشقة عليهما، بل يفطران ويقضيان بعدة ذلك من أيام أخر، وأما الصحيح المقيم الذي يطيق الصيام، فقد كان مخيرًا بين الصيام وبين الإطعام، إن شاء صام، وإن شاء أفطر، وأطعم عن كل يوم مسكينًا، فإن أطعم أكثر من مسكين عن كل يوم فهو خير، وإن صام فهو أفضل من الإطعام، قاله ابن مسعود، وابن عباس، ومجاهد، وطاوس، ومقاتل ابن حيان، وغيرهم من السلف؛ ولهذا قال تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) »62.
وقال البغوي رحمه الله: «قوله تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ) أباح الفطر لعذر المرض والسفر وأعاد هذا الكلام؛ ليعلم أن هذا الحكم ثابت في الناسخ ثبوته في المنسوخ.
واختلفوا في المرض الذي يبيح الفطر، فذهب أهل الظاهر إلى أن ما يطلق عليه اسم المرض يبيح الفطر وهو قول ابن سيرين، قال طريف بن تمام العطاردي: دخلت على محمد بن سيرين في رمضان، وهو يأكل فقال: إنه وجعت أصبعي هذه، وقال الحسن وإبراهيم النخعي: هو المرض الذي تجوز معه الصلاة قاعدًا، و ذهب الأكثرون إلى أنه مرض يخاف معه من الصوم زيادة علة غير محتملة، وفي الجملة أنه إذا أجهده الصوم أفطر، وإن لم يجهده فهو كالصحيح.
وأما السفر، فالفطر فيه مباح والصوم جائز عند عامة أهل العلم إلا ما روي عن ابن عباس وأبي هريرة وعروة بن الزبير وعلي بن الحسين أنهم قالوا: لا يجوز الصوم في السفر ومن صام فعليه القضاء، واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس من البر الصوم في السفر)63، وذلك عند الآخرين في حق من يجهده الصوم فالأولى له أن يفطر، والدليل عليه حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى زحامًا، ورجلًا قد ظلل عليه، فقال ما هذا؟ قالوا هذا صائم، فقال: (ليس من البر الصوم في السفر).
واختلفوا في السفر الذي يبيح الفطر، فقال قوم: مسيرة يوم، وذهب جماعة إلى مسيرة يومين، وهو قول الشافعي رحمه الله، وذهب جماعة إلى مسيرة ثلاثة أيام، وهو قول سفيان الثوري، وأصحاب الرأي»64.
وقال القرطبي رحمه الله: «اختلف العلماء في السفر الذي يجوز فيه الفطر والقصر، بعد إجماعهم على سفر الطاعة كالحج والجهاد، ويتصل بهذين سفر صلة الرحم، وطلب المعاش الضروري. أما سفر التجارات والمباحات فمختلف فيه بالمنع والإجازة، والقول بالجواز أرجح»65.
فمن رحمة الله تبارك وتعالى خفف على المسافر والمريض فأباح لهم الفطر في رمضان؛ لكونهما مظنة المشقة.
- كبير السن.
وخفف الله سبحانه وتعالى عن الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصيام يفطر، ويتصدق عن كل يوم مسكينًا، كما أخبر الله بذلك، فقال: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ)، قال ابن عباس رضي الله عنه في تفسير الآية: «هو الشيخ الكبير كان يطيق صوم شهر رمضان وهو شاب فكبر، وهو لا يستطيع صومه فليتصدق على مسكين واحد لكل يوم أفطره، حين يفطر وحين يتسحر»66.
وقال سعيد بن المسيب رحمه الله في الآية: «هو الكبير الذي كان يصوم فكبر وعجز عنه، وهي الحامل التي ليس عليها الصيام. فعلى كل واحد منهما طعام مسكين مد من حنطة لكل يوم حتى يمضي رمضان»، وقرأ ذلك آخرون: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ) وقالوا: «إنه الشيخ الكبير والمرأة العجوز اللذان قد كبرا عن الصوم، فهما يكلفان الصوم ولا يطيقانه، فلهما أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم أفطراه مسكينًا، وقالوا: الآية ثابتة الحكم منذ أنزلت لم تنسخ، وأنكروا قول من قال: إنها منسوخة»67، وكان ابن عباس رضي الله عنه: يقرؤها: (ﮁ ﮂ ﮃ) ويقول: «هو الشيخ الكبير يفطر، ويطعم عنه»68.
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «وأما الشيخ الفاني الهرم الذي لا يستطيع الصيام فله أن يفطر ولا قضاء عليه؛ لأنه ليست له حال يصير إليها يتمكن فيها من القضاء، ولكن هل يجب عليه إذا أفطر أن يطعم عن كل يوم مسكينًا إذا كان ذا جدة؟ فيه قولان للعلماء، أحدهما: لا يجب عليه إطعام؛ لأنه ضعيف عنه لسنه، فلم يجب عليه فدية كالصبي؛ لأن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وهو أحد قولي الشافعي. والثاني -وهو الصحيح، وعليه أكثر العلماء-: أنه يجب عليه فدية عن كل يوم، كما فسره ابن عباس وغيره من السلف على قراءة من قرأ: (ﮁ ﮂ ﮃ) أي: يتجشمونه، كما قاله ابن مسعود وغيره، وهو اختيار البخاري فإنه قال: وأما الشيخ الكبير إذا لم يطق الصيام، فقد أطعم أنس -بعد أن كبر عامًا أو عامين- كل يوم مسكينًا خبزًا ولحمًا، وأفطر»69.
- الحامل والمرضع.
يباح للحامل والمرضع الإفطار إذا خافتا على أنفسهما أو على الولد، سواء أكان الولد ولد المرضعة أم لا، أي نسبًا أو رضاعًا، وسواء أكانت أمًا أم مستأجرة، وكان الخوف نقصان العقل أو الهلاك أو المرض، والخوف المعتبر: ما كان مستندًا لغلبة الظن بتجربة سابقة، أو إخبار طبيب مسلم حاذق عدل.
ودليل الجواز لهما: القياس على المريض والمسافر، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحبلى والمرضع الصوم)70.
ويحرم الصوم إن خافت الحامل، أو المرضع على نفسها أو ولدها الهلاك.
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «ومما يلتحق بهذا المعنى: الحامل والمرضع، إذا خافتا على أنفسهما أو ولديهما، ففيهما خلاف كثير بين العلماء، فمنهم من قال: يفطران ويفديان ويقضيان، وقيل: يفديان فقط، ولا قضاء. وقيل: يجب القضاء بلا فدية. وقيل: يفطران، ولا فدية ولا قضاء»71.
- من لحقه الجوع والعطش الذي يخشي الهلاك بسببه.
فالذي لحق به الجوع والعطش وهو صائم الذي يخشى الهلاك بسبب ذلك فله أن يفطر ويمكن أن يستدل على ذلك بقول الله تعالى: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [التغابن: ١٦].
ويقول: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [البقرة: ١٩٥].
- الحائض والنفساء.
يحرم على الحائض والنفساء أن تصوم، فمن أصابها الحيض أو النفاس فإن عليها أن تفطر أيام إصابتها بذلك حتى تطهر ثم تصوم، وتقضي بعد ذلك، عن معاذة، قالت: (سألت عائشة رضي الله عنها فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة. ؟ فقالت: أحرورية أنت؟ قلت: لست بحرورية، ولكني أسأل، قالت: (كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة)72.
روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نطهر، فيأمرنا بقضاء الصيام، ولا يأمرنا بقضاء الصلاة)، وقال: «والعمل على هذا عند أهل العلم لا نعلم بينهم اختلافًا، أن الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة»73، والنفساء تقاس على الحائض.
ثانيًا: التيسير في الصيام وحكمه:
إن الله تبارك وتعالى شرع هذا الدين ويسره للناس وهو العالم بأحوالهم، فراعى المسافر والمريض، ومن كان في بدنه ما يشق معه الصيام، فأباح لهم الفطر في نهار رمضان وقضاؤه في أيام أخر؛ لأنه يريد اليسر بعباده، فقد قال سبحانه: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ).
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «ومن كان به مرض في بدنه يشق عليه الصيام معه، أو يؤذيه أو كان على سفر أي في حال سفر -فله أن يفطر، فإذا أفطر فعليه بعدة ما أفطره في السفر من الأيام؛ ولهذا قال: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) أي: إنما رخص لكم في الفطر في حال المرض وفي السفر، مع تحتمه في حق المقيم الصحيح، تيسيرًا عليكم ورحمة بكم»74.
وقال البغوي رحمه الله: « قوله تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) بإباحة الفطر في المرض والسفر (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) قرأ أبو جعفر: العسر واليسر ونحوهما بضم السين، وقرأ الآخرون بالسكون. وقال الشعبي: ما خير رجل بين أمرين فاختار أيسرهما إلا كان ذلك أحبهما إلى الله عز وجل: (ﯟ ﯠ) قرأ أبو بكر بتشديد الميم، وقرأ الآخرون بالتخفيف، وهو الاختيار لقوله تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [المائدة: ٣].
والواو في قوله تعالى: (ﯟ ﯠ) واو النسق، واللام لام كي، تقديره: ويريد لكي تكملوا العدة، أي: لتكملوا عدة أيام الشهر بقضاء ما أفطرتم في مرضكم وسفركم، وقال عطاء: (ﯟ ﯠ) أي: عدد أيام الشهر»75.
قضاء الصوم:
ثم إن الله تبارك وتعالى فرض على من أفطر في رمضان لعذر ما أن يقضيه فيما بعد، فقال: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ)، وتقديره: من كان مريضًا، أو على سفر فأفطر فعدة من أيام أخر، قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله: «ويلزم المسافر، والحائض، والمريض القضاء، إذا أفطروا، بغير خلاف؛ لقول الله تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ) »76.
وقال ابن بطال رحمه الله: «اختلف الناس في الحوامل والمراضع، فقال بعض العلماء: إذا ضعفن عن الصيام، وخافت على نفسها وولدها أفطرت، وأطعمت عن كل يوم مسكينًا، فإذا فطمت ولدها قضته، وهو قول مجاهد، وبه قال الشافعي وأحمد. وقال آخرون: عليهما الإطعام ولا قضاء، وهو قول ابن عباس، وابن عمر، وسعيد بن جبير. وقال آخرون: عليهما القضاء ولا إطعام عليهما، وجعلوهما بمنزلة المريض، وهو قول عطاء، والنخعي، والحسن، والزهري، وربيعة، والأوزاعي، وأبي حنيفة، والثوري، وروى ابن عبد الحكم عن مالك مثله، ذكره ابن القصار، وهو قول أشهب. وفرقة رابعة فرقت بين الحبلى، والمرضع، فقال في الحبلى: هي بمنزلة المريض تفطر وتقضى ولا إطعام عليها، والمرضع تفطر وتطعم وتقضى، هذا قول مالك في المدونة، وهو قول الليث. قال أبو عبيد: وكل هؤلاء إنما تأولوا قوله تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) فمن أوجب القضاء والإطعام معًا ذهب إلى أن الله حكم في تارك الصوم من عذر بحكمين، فجعل الفدية في آية والقضاء في أخرى، فلما لم يجد ذكر الحامل والمرضع مسمى في واحدة منهما جمعهما جميعًا عليهما احتياطًا لهما وأخذًا»77.
إن المتأمل في العبادات يدرك حكمة الله تبارك وتعالى ووحدانيته، فهو الخالق وحده وهو المشرع، ولأنه واحد جعل العبادات مترابطة، والصيام من جملة العبادات، فقد جعله الله تبارك وتعالى مرتبطًا بعبادات عدة، نقف مع كل عبادة على حدة على النحو التالي:
١. الصيام والصلاة.
الصيام والصلاة عبادتان عظيمتان، وهما ركنان من أركان الإسلام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث جبريل عليه السلام وسأله عن الإسلام: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا)78.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان)79.
والصيام والصلاة كلاهما عبادات مكفرات لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر)80، وشرع الاجتماع في صلاة التراويح في شهر رمضان المبارك، شهر الصيام.
٢. الصيام وقراءة القرآن:
شهر الصيام، هو شهر القرآن، وكان نزول القرآن في رمضان، قال الله تبارك وتعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ) [البقرة: ١٨٥].
وقد كان جبريل عليه السلام ينزل فيدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان، عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، يلقاه كل ليلة يدارسه القرآن، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل، أجود من الريح المرسلة)81.
فقد كان السلف الكرام رحمهم الله يكثرون من قراءة القرآن في شهر القرآن، فكان البعض منهم يختم القرآن كل يوم ختمة، والبعض يختم القرآن في رمضان ستين مرة، ولا زال الناس يقبلون على قراءة القرآن في شهر رمضان إلى يومنا هذا.
٣. الصيام والاعتكاف:
الاعتكاف يطلق على الاحتباس على الشيء82.
وقال ابن الأثير: «هو الإقامة على الشيء، وبالمكان ولزومهما، يقال: عكف يعكف ويعكف عكوفًا فهو عاكف، واعتكف يعتكف اعتكافًا فهو معتكف. ومنه قيل لمن لازم المسجد وأقام على العبادة فيه: عاكف ومعتكف»83.
وقال الجرجاني رحمه الله: «الاعتكاف: هو في اللغة المقام والاحتباس، وفي الشرع: لبث صائم في مسجد جماعةٍ بنية»84.
وقد ذكر الله تبارك وتعالى الاعتكاف في الآيات التي ذكر الصيام فيها في سورة البقرة، ونهى عن مباشرة النساء حال كونهم عاكفين في المساجد، وهذا دليل على كون الاعتكاف في المسجد، كما في قوله تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ) أي: لا تقربوهن ما دمتم عاكفين في المسجد ولا في غيره.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «كان الفقهاء المصنفون يتبعون كتاب الصيام بكتاب الاعتكاف، اقتداءً بالقرآن العظيم، فإنه نبه على ذكر الاعتكاف بعد ذكر الصوم، وفي ذكره تعالى الاعتكاف بعد الصيام إرشاد وتنبيه على الاعتكاف في الصيام، أو في آخر شهر الصيام»85.
وقال ابن سعدي رحمه الله: «ودلت الآية على مشروعية الاعتكاف، وهو لزوم المسجد لطاعة الله تعالى، وانقطاعًا إليه، وأن الاعتكاف لا يصح إلا في المسجد»86.
وقد اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان عن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده)87، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يومًا)88.
٤. الصيام والصدقة.
الصيام والصدقة بينهما ارتباط، فرمضان شهر الجود والكرم، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان جبريل عليه السلام يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة)89.
قال النووي رحمه الله: «وفي هذا الحديث فوائد منها بيان عظم جوده صلى الله عليه وسلم ومنها استحباب إكثار الجود في رمضان»90.
وقال القسطلاني رحمه الله: «كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس«أسخاهم»بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان»؛ لأنه شهر يتضاعف فيه ثواب الصدقة و«ما» مصدرية، أي: أجود أكوانه يكون في رمضان» 91.
وشرعت صدقة الفطر في شهر الصيام عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: (فرض النبي صلى الله عليه وسلم صدقة رمضان على الحر والعبد، والذكر والأنثى صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير) قال: (فعدل الناس به نصف صاعٍ من بر)92.
وعنه رضي الله عنهما، قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة)93.
فظهر بهذا أن شهر الصيام شهر مسارعة للخيرات، ومن ذلك فعل الصدقات، وخير السباقين والمسارعين رسول الهدى صلى الله عليه وسلم فقد كان أجود الناس في رمضان.
٥. الصيام وقيام الليل.
إن قيام الليل مستحب في كل وقت، ويتأكد استحبابه في شهر الصيام، شهر رمضان، وذلك بصلاة التراويح، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدم من ذنبه)94.
٦. الصيام والدعاء.
إن الدعاء عبادة من أعظم العبادات، بل لا تجد عبادةً إلا والدعاء له النصيب الأوفر فيها، ولقد قال رب العزة والجلال في كتابه الكريم في وسط آيات الصيام في سورة البقرة: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [البقرة: ١٨٦].
وهذا فيه إشارة عظيمة لأهمية الدعاء ومكانته وقت الصيام، ويمكن أن يستدل لذلك بما روي عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يرد دعاؤهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم، يرفعها الله فوق الغمام يوم القيامة، ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب عز وجل: بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين)95.
والشاهد في الحديث: (والصائم حتى يفطر).
فيمكن أن يقال ملخصًا: إن الدعاء عبادة عظمى، داخل في كل عبادة، فلا تخلو عبادة من العبادات من دعاء، وفق الله الجميع لرضاه وتقواه، والحمد لله رب العالمين.
إن الله تبارك وتعالى بين لنا في كتابه الكريم أغلب الأحكام، وبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم ووضح ما أجمل في القرآن؛ ففي الكتاب والسنة بيان جميع الأحكام.
وقد قال الله سبحانه: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ) [المائدة: ٣].
وقال سبحانه آمرًا بأخذ ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الحشر: ٧].
ومما بينه في كتابه الكريم وبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم في سنته مبطلات الصيام، والمبطلات:
منها: ما يبطل الصوم عامة:
فيبطل الصوم عامة إذا انتفى شرط من شروطه سواء كان شرط وجوب كالإسلام، أو شرط صحة كالطهارة من الحيض أو النفاس، فلو ارتد إنسان وهو صائم بطل صومه إجماعًا، ويلزمه القضاء إن رجع إلى الإسلام، وكذلك لو طرأ الحيض أو النفاس على امرأة وهي صائمة بطل صومها وعليها القضاء وقت الطهارة، ويبطل الصوم كذلك بعمل ما ينافيه كالأكل والشرب والجماع، أو تناول ما كان مغذيًا من الإبر الطبية وغيرها، ولا بد أن يكون الصائم ذاكرًا مختارًا فيما يتناوله.
لكن لو أكل الصائم شيئًا، أو شرب ناسيًا فلا شيء عليه، ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نسي وهو صائم، فأكل أو شرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه)96.
ومنها: ما يبطل الصوم ويوجب القضاء فقط:
يبطل الصوم ويوجب القضاء فقط دون الكفارة، كالأكل أو الشرب، أكل ما لا يؤكل عادة، أو شرب ما لا يشرب عادة، أو تناول أي شيء عامدًا عن طريق الفم، أو كمن فرط فأكل أو شرب أو جامع ظنًا منه أن الفجر لم يطلع والفجر قد طلع، أو أفطر قبل غروب الشمس ظانًا غروبها، وكذلك من أخرج منيه من غير جماع كمن استمنى أو قبل أو كرر النظر فأنزل، أو مساحقة امرأتين إذا أنزلت، فمن وقع في شيء من ذلك فقد بطل صومه وعليه القضاء والتوبة إلى الله تبارك وتعالى.
ومنها: ما يبطل الصوم ويوجب القضاء والكفارة:
ويبطل الصيام ويوجب القضاء والكفارة الجماع في قبلٍ أو دبرٍ أنزل أو لم ينزل، والكفارة هي عتق رقبة، فمن لم يجد فصوم شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا، وقد ثبت أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: (بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ جاءه رجلٌ، فقال: يا رسول الله، هلكت. قال: (ما لك؟) قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل تجد رقبة تعتقها؟)، قال: لا، قال: (فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين)، قال: لا، فقال: (فهل تجد إطعام ستين مسكينا). قال: لا، قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيها تمر -والعرق المكتل- قال: (أين السائل؟) فقال: أنا، قال: (خذها، فتصدق به)، فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها -يريد الحرتين- أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: (أطعمه أهلك)97.
فظهر بهذا أن الصيام له مبطلات منها ما يوجب القضاء فقط، ومنها ما يوجب القضاء والكفارة، فعلى الإنسان المسلم أن يكون مراقبًا لله تبارك وتعالى حتى يأتي بصومه كما ينبغي، وعمومًا فمن الناس من لا يقع في شيء من مبطلات الصوم المتقدمة، لكنه يجرح صومه بالكلام في أعراض الناس، والغيبة، والنميمة، والسباب، والشتم، وقول الزور وقد ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)98.
قال ابن بطال رحمه الله: «قال المهلب: فيه دليل أن حكم الصيام الإمساك عن الرفث وقول الزور، كما يمسك عن الطعام والشراب، وإن لم يمسك عن ذلك فقد تنقص صيامه وتعرض لسخط ربه، وترك قبوله منه. وقال غيره: وليس معناه أن يؤمر بأن يدع صيامه إذا لم يدع قول الزور، وإنما معناه التحذير من قول الزور»99.
وقال ابن الأمير الصنعاني رحمه الله: «الحديث دليل على تحريم الكذب والعمل به وتحريم السفه على الصائم وهما محرمان على غير الصائم أيضًا إلا أن التحريم في حقه آكد، كتأكد تحريم الزنا من الشيخ، والخيلاء من الفقير، والمراد من قوله: (فليس لله حاجة) أي: إرادة، بيان عظم ارتكاب ما ذكر، وأن صيامه كلا صيام، ولا معنى لاعتبار المفهوم هنا فإن الله لا يحتاج إلى أحد هو الغني سبحانه ذكره ابن بطال، وقيل: هو كناية عن عدم القبول، كما يقول المغضب لمن رد شيئًا عليه: لا حيلة لي في كذا، وقيل: إن معناه أن ثواب الصيام لا يقاوم في حكم الموازنة ما يستحق من العقاب لما ذكر»100، والحمد لله رب العالمين.
إن من حكمة الله سبحانه أنه لا يشرع شيئًا من العبادات إلا لمصلحة الإنسان، وإن هذا الدين الإسلامي دين مبني بعد إفراد الله بالعبادة على الحكمة العظيمة، والخير الكثير، فشرع الله تبارك وتعالى أحكام هذا الدين لفوائد مرجوة، ومقاصد جليلة، فإن لهذه الشريعة الإسلامية تكاليف سامية المقاصد، نبيلة الفوائد، بديعة الأسرار، نذكر شيئًا من فوائدها:
١. أن الصوم سبب في دخول الجنة.
وأن الله سبحانه أعد للصائمين بابًا في الجنة لا يدخل منه أحد غيرهم، وأنه يشفع لأصحابه، وأن الله سبحانه أعد للصائمين أجرًا عظيمًا، كما سيأتي بعد جزاء الصائمين.
٢. أن الصيام يمنع أو يخفف المنكرات، ويعلم الالتزام بفعل الخيرات.
فالصائم يترك كليًا أو وقت صيامه الدخان، والقات والشمة، فالصائم تراه قارئًا للقرآن، غاضًا بصره عن الحرام، مؤديًا للصلاة في المسجد مع المسلمين، متقربًا لله تعالى بأنواع القربات، يتصدق ويحسن للفقراء والمساكين والمحتاجين؛ لأنه شعر بشيء مما هو واقع بهم وهو الجوع، متنفلًا لله بصلاة التراويح، والقيام، قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله: « قال بعض السلف: أهون الصيام ترك الشراب والطعام، وقال جابر: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء!»101.
٣. في الصيام جملة من الفوائد الصحية.
فبما أن الصيام هو الإمساك عن الطعام والشراب، فعندما يمسك الإنسان فترة من الوقت عن الأكل والشرب فإن الجهاز الهضمي يرتاح وقتًا لا بأس به، ويأخذ فترة للتخلص من الفضلات التي به، وكذلك يتخلص الجسم من السموم، والدهون الموجودة في الجسم، فالجسم البشري يتعرض لكثير من المواد الضارة والسموم التي قد تتراكم في أنسجته، وهذه السموم تأتي للجسم عبر الغذاء الذي يتناوله بكثرة، وتذكر بعض المراجع الطبية أن جميع الأطعمة تقريبًا في هذا الزمان تحتوي على كميات قليلة من المواد السامة، وهذه المواد تضاف إلى الطعام في أثناء إعداده، أو حفظه كالنكهات، والألوان، ومضادات الأكسدة، والمواد الحافظة، والإضافات الكيميائية للنبات أو الحيوان. هذا بالإضافة إلى السموم التي نستنشقها مع الهواء من عوادم السيارات، وغازات المصانع، وسموم الأدوية التي يتناولها الناس بغير ضابط، إلى غير ذلك من سموم الكائنات الدقيقة التي تقطن أجسامنا بأعداد تفوق الوصف والحصر، وأخيرًا مخلفات الاحتراق الداخلي للخلايا والتي تسبح في الدم كغاز ثاني أكسيد الكربون، واليوريا، والكرياتين، والأمونيا، والكبريتات، وحمض اليوريك، ومخلفات الغذاء المهضوم، والغازات السامة التي تنتج من تخمره وتعفنه مثل الأندول، والسكاتول، والفينول102.
وعلاج مرض البول السكري في مراحله الأولى، وخاصة عند السمنة يكون بالصيام والحمية عن المواد السكرية والنشوية، وعفونة الأمعاء، وتخمراتها يعالج بالصيام.
ومرض ضغط الدم يفيد فيه الصيام بالإقلال من الملح، والدسم الذي يحوي الكولسترول الذي يسبب تصلب الشرايين.
وعسر الهضم يعالج بالحمية، وبتنظيم وجبات الطعام، وعدم إدخال الطعام على الطعام، وهذا موجود في الصيام. وللاستفادة من الصيام ينبغي ألا يسرف الإنسان في الأكل في الفطور، أو السحور، وأن يتبع الحديث النبوي: (ما ملأ ابن آدم وعاء شرًا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيماتٌ يقمن صلبه، فإن كان ولا محالة فاعلا فثلثٌ لطعامه، وثلثٌ لشرابه، وثلثٌ لنفسه)103، وحتى يكون خفيفًا نشيطًا فيقدر على أعمال العبادة من صلوات التراويح إلى التهجد... إلخ104.
٤. يعلم الناس الصبر.
الصبر بجميع أنواعه، صبر على طاعة الله تبارك وتعالى بترك الشهوات، الأكل والشرب والجماع وغيرها طلبًا لمرضاة الرب عز وجل، والنفس كما هو معلوم تحب مثل هذه الأشياء فيلزمها تركها ويصبر على ذلك، وصبر عن معصية الله يلزم نفسه الإمساك عن جميع المفطرات؛ لأن ترك الإمساك معصية لرب الأرض والسماوات، وصبر على أقدار الله فالله سبحانه قدر هذا الإمساك وجعله عبادة من العبادات فلابد من الرضا بما قدر، والعمل بما أراد سبحانه، فظهر بهذا أن الصوم يعد مدرسةً لتعليم الصبر.
٥. الصوم يعد مدرسة لتعليم النظام والالتزام بالمواعيد.
وذلك لأن الصيام لا بد له من تبييت النية من الليل، ثم الإمساك من طلوع الفجر إلى وقت الغروب، فلا يفطر الإنسان إلا وقت غروب الشمس.
٦. يعلم الصوم أهمية وحدة المسلمين واجتماعها.
وذلك أن المسلمين في جميع أنحاء المعمورة يجب عليهم صيام شهر واحد هو رمضان، وكلهم يمسكون من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، نظام دقيق من خالق حكيم سبحانه وتعالى.
وقد ذكر الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله فوائد متعددة للصيام نذكرها مختصرة:
فمنها: كسر النفس فإن الشبع، والري، ومباشرة النساء تحمل النفس على الأشر والبطر والغفلة.
ومنها: تخلي القلب للفكر والذكر؛ فإن تناول هذه الشهوات قد يقسي القلب ويعميه، ويحول بين العبد وبين الذكر والفكر، وتستدعي الغفلة. وخلو الباطن من الطعام والشراب ينور القلب ويوجب رقته ويزيل قسوته، ويخليه للذكر والفكر.
ومنها: أن الغني يعرف قدر نعمة الله عليه بإقداره له على ما منعه كثيرًا من الفقراء من فضول الطعام والشراب والنكاح؛ فإنه بامتناعه من ذلك في وقت مخصوص، وحصول المشقة له بذلك يتذكر به من منع من ذلك على الإطلاق فيوجب له ذلك شكر نعمة الله عليه بالغنى، ويدعوه إلى رحمة أخيه المحتاج ومواساته بما يمكن من ذلك.
ومنها: أن الصيام يضيق مجاري الدم التي هي مجاري الشيطان من ابن آدم؛ فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فتسكن بالصيام وساوس الشيطان وتنكسر سورة الشهوة والغضب105.
وكل هذه الفوائد مصداقًا لقول الله تبارك وتعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [البقرة: ١٨٤].
نسأل الله أن يوفقنا لإخلاص العمل لوجهه الكريم.
إن الله تبارك وتعالى كريم جواد يعطي على القليل الكثير، يضاعف الأجر لعباده، يعمل العبد العبادة فيثيبه رب العالمين الأجر الكبير، فالحسنة بعشر أمثالها ثم تضاعف إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم؛ فإنه له سبحانه ويجزي عليه بالأجر العظيم.
وذكر الله جل وعلا جزاء الصائمين في قوله تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الأحزاب: ٣٥].
فالله سبحانه وتعالى جمع أصحاب هؤلاء الصفات ثم قال في آخر الآية: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ)، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «أي: هيأ لهم منه لذنوبهم مغفرة وأجرًا عظيمًا وهو الجنة»106.
والماوردي رحمه الله يقول: «(ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) لعملهم، قاله ابن جبير» 107.
وقال السعدي رحمه الله: «(ﯛ ﯜ ﯝ) أي: لهؤلاء الموصوفين بتلك الصفات الجميلة، والمناقب الجليلة، التي هي، ما بين اعتقادات، وأعمال قلوب، وأعمال جوارح، وأقوال لسان، ونفع متعد وقاصر، وما بين أفعال الخير، وترك الشر، الذي من قام بهن، فقد قام بالدين كله، ظاهره وباطنه، بالإسلام والإيمان والإحسان.
فجازاهم على عملهم بـ «المغفرة» لذنوبهم؛ لأن الحسنات يذهبن السيئات، (ﯟ ﯠ) لا يقدر قدره، إلا الذي أعطاه، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، نسأل الله أن يجعلنا منهم»108.
لعظم هذه العبادة جعلها له سبحانه، ويجازي عبده بها، بخلاف غيرها من العبادات؛ فإن كل عمل ابن آدم له إلا الصيام كما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله: كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل إني امرؤ صائم)109.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم؛ فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي)، (للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه)110.
يعني: أن الصوم أحب العبادات إلي، والمقدم عندي؛ لأنه قال: (الصيام لي)، فأضافه إلى نفسه وكفى به فضلًا على سائر العبادات111.
وبين النبي صلى الله عليه وسلم حين طلب منه أن يرشد إلى أمر يؤخذ عنه، فأرشد إلى الصيام، وقال: (فإنه لا مثل له)، وفي رواية (لا عدل له)، كما ثبت عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: مرني بأمر آخذه عنك، قال: (عليك بالصوم؛ فإنه لا مثل له)112.
وفي رواية: (عليك بالصوم؛ فإنه لا عدل له)113.
قال المناوي رحمه الله: « عليك بالصوم أي: الزمه، فإنه لا مثل له أي: لأنه يقوي القلب والفطنة، ويزيد في الذكاء والزكاء ومكارم الأخلاق»114.
وقال رحمه الله: «وإذا صام المرء اعتاد قلة الأكل والشرب، وانقمعت شهواته، وانقلعت مواد الذنوب من أصلها، ودخل في الخير من كل وجه وأحاطت به الحسنات من كل جهة»115.
ثم إن الله سبحانه وتعالى يجازي الصائمين بالدخول من باب خاصٍ بهم في الجنة لا يدخل معهم غيرهم، باب يقال له: الريان كما ثبت في الصحيحين من حديث سهل رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إن في الجنة بابًا يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد)116.
قال النووي: «وفي هذا الحديث فضيلة الصيام، وكرامة الصائمين»117.
وقال المناوي رحمه الله: « (إن في الجنة بابًا يقال له: الريان) بفتح الراء وشد المثناة التحتية فعلان من الري وهو باب يسقى منه الصائم شرابًا طهورا (يدخل منه) إلى الجنة، (الصائمون يوم القيامة) يعني الذين يكثرون الصوم في الدنيا (لا يدخل منه أحد غيرهم) كرر نفي دخول غيرهم تأكيدًا، (يقال) أي: تقول الملائكة بأمر الله تعالى في الموقف (أين الصائمون) المكثرون للصيام (فيقومون) أي: فينهضون إلى المنادي، فيقال لهم: ادخلوا الجنة (فيدخلون منه فإذا دخلوا) منه أي: دخل آخرهم (أغلق) بالبناء المفعول (فلم يدخل منه) بعد ذلك (أحد) عطف على أحد، أي: لم يدخل منه غير من دخل، ولا يعارضه أن جمعًا تفتح لهم أبواب الجنة يدخلون من أيها شاءوا؛ لإمكان صرف مشيئة غير مكثري الصوم عن دخول باب الريان» 118.
وثبت في السنة أن الصيام يشفع لصاحبه يوم القيام كما في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فشفعني فيه)، قال: (فيشفعان)119.
فهذا بعض ما ورد في جزاء الصائمين، فحري بكل أحد أن يتعب نفسه في مرضاة ربه، ويكابد النهار ويجوع ويعطش؛ ليحصل على ما تفضل الله به على عباده الصائمين. وفق الله الجميع لطاعته ورضاه.
إن كتاب الله تبارك وتعالى جاء بشرائع الهدى لإصلاح الخلق، وإقامتهم على طريق الحق والفلاح، فلم تسم شريعة من الشرائع أن تبلغ ما في شريعة القرآن من: إحكام، ويسر، ودقة، ذلك أنها شريعة الله تبارك وتعالى التي تنطلق في تكاليفها من رحمة الله تبارك وتعالى بعباده، ومراعاة مصالحهم وقدراتهم البشرية، قال جل وعلا: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [البقرة: ١٨٥].
وقال: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ) [البقرة: ٢٨٦].
وقال سبحانه: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [المائدة: ٦].
فمن مظاهر التيسير ورفع الحرج عن هذه الأمة، أنه راعى للمسافر مكانته فأباح له الفطر في رمضان، والقضاء في وقت آخر، وكذلك المريض، وأباح للمرضع والحامل الفطر والقضاء فيما بعد، فكتاب الله سبحانه معجز في نظمه وبلاغته، معجز في تشريعه، معجز في كل شيء.
فالله سبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [البقرة: ١٨٤].
فالصوم خير لنا في دنيانا وأخرانا، خير لنا في صحتنا، وشفاء كثير من الأمراض، فصحة الأبدان من الأمراض والأسقام من عاجل ذلك الخير، ولأهمية الصيام وأثره في الطب يطلب الأطباء من المريض أحيانًا الصيام لإجراء فحص، أو لإجراء جراحة، وهناك فرق بين الصيام الشرعي والصيام الطبي، فالصيام الشرعي تقدم أنه الإمساك عن الطعام والشراب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مع النية، أما بالنسبة للصيام الطبي فهو: الامتناع الكلي أو الجزئي عن تناول المأكولات والمشروبات معًا، أو عن تناول المأكولات فقط لفترة من الزمن طالت أم قصرت120.
قال الشيخ محمد راتب النابلسي حفظه الله: «رأى العلماء أن في الصوم وقايةً وعلاجًا من أمراضٍ كثيرةٍ، فبعض الأمراض المستعصية قد يكون علاجها في الصوم؛ كالتهاب المعدة الحاد، وإقياء الحمل العنيد، وبعض أنواع داء السكري، وارتفاع التوتر الشرياني، والقصور الكلوي الحابس للملح، وخناق الصدر، والالتهابات الهضمية المزمنة، وحصيات المرارة، وبعض الأمراض الجلدية. الصوم علاجٌ لبعض الأمراض، ولكنه إذا طبق كما شرعه النبي عليه الصلاة والسلام فهو وقايةٌ من أمراضٍ كثيرةٍ. ثم إن في الصيام -كما يقرر الأطباء- صحةً نفسيةً، وإن في الصيام رفعًا لمستوى النفس، وتعويدًا لها على الحرية من كل قيدٍ، وكل عادة رفعًا لمستوى النفس، وأفضل عادة ألا يتعود الإنسان أي عادةٍ، هذا الذي يدمن التدخين، كيف استطاع أن يقلع عنه في رمضان، إذًا في الإمكان أن يقلع عنه، وأكبر شاهدٍ على ذلك شهر الصيام.
إذًا الإنسان يقوي إرادته بالصيام، والإنسان بالصيام ينمي إخلاصه، إن الصيام عبادة الإخلاص، وإن الصيام أيضًا ينمي مشاعر الإنسان، فقد يكون الطعام والشراب متوفرًا، ولا يستطيع الإنسان أن يأكل أو يشرب منه شيئًا»121.
وقد يكون من أوجه الإعجاز التشريعي في الصيام أن الله سبحانه شرع هذه العبادة وهو يعلم باستطاعة الناس له، فشرع لهم ما يستطيعون وكلفهم به، ويستحيل أن يكلف الله تبارك وتعالى عباده مالا طاقة لهم به، قال الله تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [البقرة: ١٨٥].
قال الإمام الرازي رحمه الله: «الله تعالى أوجب الصوم على سبيل السهولة واليسر فإنه ما أوجبه إلا في مدة قليلة من السنة ثم ذلك القليل ما أوجبه على المريض ولا على المسافر وكل ذلك رعاية لمعنى اليسر والسهولة»122.
ومن هذا اليسر والسهولة أنه راعى أصحاب الأعذار، فأباح لهم الفطر والقضاء في أيام أخر، كل هذا رحمة بهم.
يضاف إلى ذلك أن الكفارات ومنها الصيام أخذت طابع العقاب، وذلك لمخالفة الإنسان أوامر الرحمن، ولكنها مع ذلك يؤديها الإنسان عبادةً لله تبارك وتعالى، فهي عقوبة زاجرة وجابرة، صيام شهرين متتابعين في كفارة قتل الخطأ والوقاع، وصيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين، والصيام في بقية الكفارات فيه كلفة ومشقة على الإنسان؛ كونه عقوبة له على ما اقترف من الإثم، ومع ذلك عبادة يؤديها الإنسان، فيعيش أيام الصيام ويكون وقت أداء الكفارة بمثابة محطة يقف فيها الإنسان، فتتولد له الكثير من معاني الندم والتوبة، والله تبارك وتعالى أعلم.
ومن أوجه الإعجاز التشريعي للصيام ما يلي123:
١. التخلص من السموم.
يتعرض الجسم البشري لكثير من المواد الضارة والسموم التي قد تتراكم في أنسجته، وهذه السموم تأتي للجسم عبر الغذاء الذي يتناوله بكثرة، وتذكر بعض المراجع الطبية أن جميع الأطعمة تقريبًا في هذا الزمان تحتوي على كميات قليلة من المواد السامة، وهذه المواد تضاف إلى الطعام في أثناء إعداده، أو حفظه كالنكهات، والألوان، ومضادات الأكسدة، والمواد الحافظة، والإضافات الكيميائية للنبات أو الحيوان. هذا بالإضافة إلى السموم التي نستنشقها مع الهواء من عوادم السيارات، وغازات المصانع، وسموم الأدوية التي يتناولها الناس بغير ضابط، إلى غير ذلك من سموم الكائنات الدقيقة التي تقطن أجسامنا بأعداد تفوق الوصف والحصر، وأخيرًا مخلفات الاحتراق الداخلي للخلايا والتي تسبح في الدم كغاز ثاني أكسيد الكربون، واليوريا، والكرياتين، والأمونيا، والكبريتات، وحمض اليوريك، ومخلفات الغذاء المهضوم، والغازات السامة التي تنتج من تخمره وتعفنه مثل الأندول، والسكاتول، والفينول 124.
كل هذه السموم جعل الله سبحانه للجسم منها فرجًا ومخرجًا حيث يقوم الكبد وهو الجهاز الرئيس بتنظيف الجسم من السموم، غير أن للكبد جهدًا وطاقة محدودة وقد يعتري خلاياه بعض الخلل لأسباب مرضية أو لأسباب خلقية كتقدم السن، فيترسب جزء من هذه المواد السامة في أنسجة الجسم، وخصوصًا في المخازن الدهنية، وفي الصيام تتحول كميات هائلة من الشحوم المختزنة في الجسم إلى الكبد حتى تؤكسد وينتفع بها وتستخرج منها السموم الذائبة فيها وتزال سميتها ويتخلص منها مع نفايات الجسد.
وبما أن عمليات الهدم في الكبد في أثناء الصيام تغلب عمليات البناء في التمثيل الغذائي فإن فرصة طرح السموم المتراكمة في خلايا الجسم تزداد خلال هذه الفترة ويزداد أيضًا نشاط الخلايا الكبدية في إزالة سمية كثير من المواد السامة وهكذا يعتبر الصيام شهادة صحية لأجهزة الجسم بالسلامة.
يقول الدكتور «ماك فادون» -وهو من الأطباء العالميين الذين اهتموا بدراسة الصوم وأثره-: «إن كل إنسان يحتاج إلى الصوم وإن لم يكن مريضًا؛ لأن سموم الأغذية والأدوية تجتمع في الجسم فتجعله كالمريض وتثقله فيقل نشاطه، فإذا صام الإنسان تخلص من أعباء هذه السموم وشعر بنشاط وقوة لا عهد له بهما من قبل»125.
٢. التخلص من الشحوم.
ترتبط السمنة بالإفراط في تناول الطعام وخصوصًا الأطعمة الغنية بالدهون هذا بالإضافة إلى أن وسائل الحياة المريحة، والسمنة مشكلة واسعة الانتشار، وقد وجد أن السمنة تقترن بزيادة خطر الأمراض القلبية الوعائية مثل قصور القلب والسكتة القلبية، ومرض الشريان التاجي، ومرض انسداد الشرايين المحيطة بالقلب.
والصيام الشرعي الإسلامي يعد النموذج الفريد للوقاية والعلاج من السمنة في آن واحد، حيث يمثل الأكل المعتدل والامتناع عنه مع النشاط والحركة عاملين مؤثرين في تخفيف الوزن، وذلك بزيادة معدل استقلاب الغذاء بعد وجبة السحور وتحريك الدهن المختزن لأكسدته في إنتاج الطاقة اللازمة بعد منتصف النهار.
وبهذا يحدث الصيام الشرعي المتمثل في الحفاظ على وجبة السحور، والاعتدال في الأكل، والحركة والنشاط في أثناء الصيام نظامًا غذائيًا ناجحًا في علاج السمنة.
٣. تجدد الخلايا.
اقتضت حكمة الله تعالى أن يحدث التغيير والتبديل في كل شيء وفق سنة ثابتة، فقد اقتضت هذه السنة في جسم الإنسان أن تتبدل محتوى خلاياه على الأقل كل ستة أشهر، وبعض الأنسجة تتجدد خلاياها في فترات قصيرة تعد بالأيام والأسابيع؛ فتهرم تلك الخلايا ثم تموت، وتنشأ أخرى جديدة تواصل مسيرة الحياة حتى يأتي أجل الإنسان.
إن عدد الخلايا التي تموت في الثانية الواحدة في جسم الإنسان يصل إلى ١٢٥مليون خلية وأكثر من هذا العدد يتجدد يوميًا في سن النمو، ومثله في وسط العمر، ثم يقل عدد الخلايا المتجددة مع تقدم السن126.
وبما أن الأحماض الأمينية هي التي تشكل البنية الأساسية في الخلايا ففي الصيام الشرعي الإسلامي تتجمع هذه الأحماض القادمة من الغذاء مع الأحماض الناتجة من عملية الهدم في مجمع الأحماض الأمينية في الكبد، ويحدث فيها تحول داخلي واسع النطاق؛ ليتم إعادة توزيعها بعد عملية التحول الداخلي ودمجها في جزيئات أخرى، ويصنع منها كل أنواع البروتينات الخلوية وبروتينات البلازما والهرمونات، وغير ذلك من المركبات الحيوية، وهذا يتيح لبنات جديدة للخلايا ويرفع كفاءتها الوظيفية مما يعود على الجسم البشري بالصحة والنماء والعافية.
٤. مقاومة الشيخوخة.
كشفت مجلة الطبيعة البريطانية127 عن دراسة علمية تفيد أن التجويع المخطط أو الجزئي -الصيام- يؤدي إلى تنشيط الجينات المسئولة عن إفراز هرمونات تساعد الخلايا في مواجهة زحف الشيخوخة على الإنسان وتزيد من حيوية ونشاط الجسم، وأكدت نتائج هذه الدراسة أن عملية التمثيل الغذائي، وهضم الطعام تنتج مواد سامة تتلف الخلايا، وأن الإقلال من كمية الطعام والإكثار من الحركة لحرق الطاقة يحسن من الوضع الصحي ويوقف عملية الهدم، وبالتالي تزيد من إمكانية رفع متوسط العمر، وأوضحت الدراسة أن الصيام الجزئي عن الطعام والتجويع المخطط قد يؤدي إلى رد فعل يجعل الخلايا تقاوم الموت وتعيش فترة أطول، وأضافت الدراسة أن مفتاح الصحة يتمثل في الحد من الطعام «الجوع الجزئي أو المخطط» في نظام غذائي مدى الحياة بقدر الإمكان مما يؤثر إيجابيًا، ويساعد على مقاومة الشيخوخة.
فالله تبارك وتعالى أنزل إلينا كتابه وأخبرنا فيه أننا إذا صمنا فالصيام خير لنا، قال الله تبارك وتعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [البقرة: ١٨٤].
فالصيام خير لنا في صحتنا وخير لنا في ديننا، وخير لنا في آخرتنا.
ولم يعرف الأطباء فوائد الصيام إلا قبل فترة قصيرة، بعد أن تقدمت البحوث وتوفرت الأجهزة الدقيقة في كشف الكثير من أسرار جسم الإنسان، بينما النبي صلى الله عليه وسلم أنزل عليه القرآن الكريم يخبره بأن الصوم خير للناس، ومن تتبع سنن الرسول صلى الله عليه وسلم في الصيام يجدها تحقق حكمًا طبية دقيقة لا يعرفها إلا أهل الاختصاص والدراسات العلمية الحديثة، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بتقديم الفطور وتأخير السحور؛ لتنحصر مدة الصيام التي لا يصحبها ضرر على الصائم، ونهى صلى الله عليه وسلم عن الوصال الذي يسبب ضررًا على الصائمين، وندب أن يكون الفطور بتمر؛ لأن التمر يتميز بالسكر سهل الامتصاص، ويمكن الجسم من إعداد الجهاز الهضمي لاستقبال الطعام والتعامل معه بيسر وسهولة.
فمن الذي أعلم النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الحقائق والأسرار العظيمة؟!
علمه ربه تبارك وتعالى القائل: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ).
موضوعات ذات صلة:
التقوى، الحج، الزكاة، الصبر، الصلاة، العبادة
1 انظر: المصباح المنير، الفيومي ١/٣٥٢، التعريفات، الجرجاني ص ١٣٦، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بالقاهرة ١/٥٢٩، القاموس الفقهي، سعدي أبو جيب ص ٢١٨-٢١٩.
2 المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بالقاهرة ١/٥٢٩.
3 تهذيب اللغة، الأزهري ١٢/١٨٢.
4 مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٢٥٢.
وانظر: المصباح المنير، الفيومي ص٣٥٢.
5 لسان العرب، ابن منظور ١٢/٣٥٠.
6 التعريفات، الجرجاني ص ١٣٦.
وانظر: القاموس الفقهي، سعدي أبو جيب ص ٢١٨-٢١٩.
7 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ١/٤٩٧.
8 انظر: المعجم المفهرس الشامل لألفاظ القرآن الكريم، عبد الله جلغوم، باب الصاد، ص٧٠٨.
9 انظر: نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر، ابن الجوزي، ص٣٨٦-٣٨٧، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٣/٤٥٦.
10 انظر: معجم اللغة العربية المعاصرة ٢/١٤٤٨.
11 التوقيف على مهمات التعاريف ص ٢٣٤.
12 المفردات ص ٣١٨.
13 الفروق اللغوية، العسكري ص ٥١٧.
14 الكليات، الكفوي ص ٥٠٩.
15 القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص ٩٥٣.
وانظر: الكليات، الكفوي ص ٢٤٢.
16 جامع البيان، الطبري ٣/١٥٣-١٥٤.
17 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٨٦.
18 زهرة التفاسير، أبو زهرة ١/٥٥٠.
19 انظر: جامع البيان، الطبري ٣/١٥٣-١٥٥، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/٢٧٥، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٤٩٧، اللباب في علوم الكتاب ٣/٢٥٤-٢٥٦.
20 جامع البيان، الطبري ٣/١٥٣-١٥٤.
21 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب فضل السحور وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر، رقم ١٠٩٦.
22 النكت والعيون، الماوردي ١/٢٣٦.
23 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢/١٥٦-١٥٧، بتصرف.
24 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: بني الإسلام على خمس، رقم ٨، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس، رقم ١٦.
25 جامع البيان، الطبري ٣/١٥٣.
26 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٤٩٧.
27 بدائع الصنائع، الكاساني ٥/٩٥
28 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٥/١٦٢.
29 اللباب في علوم الكتاب ٦/٥٦٨، بتصرف يسير.
30 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٩٣.
31 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب تحريم صوم أيام التشريق، رقم ١١٤١.
32 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٥٣٨-٥٣٩، بتصرف.
33 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٩٠.
34 جامع البيان، الطبري ٨/٦٧٣.
35 يعني: يثمن.
36 المد اختلفوا فيه، فقيل: المد رطل وثلث بالعراقي، وبه يقول الشافعي وفقهاء الحجاز.وقيل: هو رطلان، وبه يقول أبو حنيفة وفقهاء العراق، وقال بعضهم: وخالف بعض الحنيفة، فقال: المد رطلان.
انظر: عمدة القاري، العيني ٣/٩٤.
37 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١٩٤.
38 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٢٤٤.
39 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١٧٦.
40 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ٢٤٢.
41 انظر: بدائع الصنائع، الكاساني ٣/٢٢٩، بداية المبتدي ص ٨١، الكافي في فقه أهل المدينة، ابن عبد البر ٢/٦٠٣، البيان والتحصيل، ابن رشد ٥/١٧١، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ابن شد ٣/١٢٣، المجموع شرح المهذب، النووي ١٧/٣٤٤، الكافي في فقه الإمام أحمد، ابن قدامة ٢/٣٢٢، و ٣/١٦٥، المغني، ابن قدامة ٧/٤١٤.
42 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٣٧.
وانظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٧/٢٧٣.
43 معالم التنزيل، البغوي ٦/٣١٧.
44 النكت والعيون، الماوردي ٥/٤٨٨.
45 جامع البيان، الطبري ٢٢/٤٦٢.
46 المصدر السابق ٢٢/٤٦٥.
47 أخرجه وأحمد في مسنده، رقم ٩٦٨٥، وابن ماجه في سننه، أبواب الصيام، باب ما جاء في الغيبة والرفث للصائم، رقم ١٦٩٠.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٣٤٨٨.
48 معالم التنزيل، البغوي ١/١٩٦.
49 أوضح التفاسير، الخطيب ٣٣.
50 زاد المعاد، ابن القيم ٢/٢٧.
51 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتكاف، باب هل يدرأ المعتكف عن نفسه، رقم ٢٠٣٩.
52 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصوم، باب الصوم لمن خاف على نفسه العزبة، رقم ١٩٠٥، ومسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، ووجد مؤنه، واشتغال من عجز عن المؤن بالصوم، رقم ١٤٠٠.
53 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٤٩٧.
54 زاد المعاد، ابن القيم ٢/٢٨.
55 لطائف المعارف، ابن رجب الحنبلي ص ١٥٥.
56 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصوم، باب فضل الصوم، رقم ١٨٩٤، ومسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب فضل الصيام، رقم ١١٥١.
57 المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، ضياء الدين ابن الأثير ١/١٥٧.
58 فتح القدير، ابن الهمام ٢/٣٠١.
59 لطائف المعارف، ابن رجب ص ١٦٨.
60 الفقهاء يقولون: مسافة العدوى وكأنهم استعاروها من هذه العدوى؛ لأن صاحبها يصل فيها الذهاب والعود بعدو واحد لما فيه من القوة والجلادة.
انظر: المصباح المنير، الفيومي ٢/٣٩٨، تاج العروس، الزبيدي ٣٩/١٩.
61 المصباح المنير، الفيومي ١/٢٧٨.
62 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٤٩٨.
63 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصوم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن ظلل عليه واشتد الحر: ليس من البر الصوم في السفر، رقم ١٩٤٦.
64 معالم التنزيل، البغوي ١/١٩٩-٢٠٠، بتصرف يسير.
65 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/٢٧٧.
66 جامع البيان، الطبري ٣/١٧١.
67 المصدر السابق.
68 المصدر السابق ٣/١٧٢.
69 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٥٠٠.
70 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في الرخصة في الإفطار للحبلى والمرضع، رقم ٧١٥، والنسائي في سننه، كتاب الصوم، باب وضع الصيام عن الحبلى والمرضع، رقم ٢٣١٥.
وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ١/٣٧٥، رقم ١٨٣٠.
71 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٥٠١.
72 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحيض، باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة، رقم ٣٣٥.
73 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في قضاء الحائض الصيام دون الصلاة، رقم ٧٨٧.
74 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٥٠٣.
75 معالم التنزيل، البغوي ١/٢٠١.
76 المغني، ابن قدامة ٣/١٤٦.
77 شرح صحيح البخارى، ابن بطال ٤/٩٣، بتصرف يسير.
78 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، والإسلام، والإحسان، وعلم الساعة، رقم ٥٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب معرفة الإيمان، والإسلام، والقدر وعلامة الساعة، رقم ٨.
79 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: بني الإسلام على خمس، رقم ٨، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: بني الإسلام على خمس، رقم ١٦.
80 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر، رقم ٢٣٣.
81 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصوم، باب أجود ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون في رمضان، رقم ١٩٠٢.
82 مختار الصحاح، الرازي ص ٢١٦.
83 النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير ٣/٢٨٤.
84 التعريفات، الجرجاني ص ٣١.
85 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٥١٩.
86 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٨٧.
87 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتكاف، باب الاعتكاف في العشر الأواخر، والاعتكاف في المساجد كلها، رقم ٢٠٢٦، ومسلم في صحيحه، كتاب الاعتكاف، باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان، رقم ١١٧٢.
88 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتكاف، باب الاعتكاف في العشر الأوسط من رمضان، رقم ٢٠٤٤.
89 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم، رقم ٣٥٥٤، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير من الريح المرسلة، رقم ٢٣٠٨.
90 شرح النووي على مسلم ١٥/٦٩.
91 إرشاد الساري، القسطلاني ٣/٣٥٢.
92 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر على الحر والمملوك، رقم ١٥١١، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير، رقم ٩٨٤.
93 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب فرض صدقة الفطر، رقم ١٥٠٣، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير، رقم ٩٨٤.
94 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب تطوع قيام رمضان من الإيمان، رقم ٣٧، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في قيام رمضان، وهو التراويح، رقم ٧٥٩.
95 أخرجه الإمام أحمد في مسنده، رقم ٩٧٤٣.
وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة، رقم ١٣٥٨.
96 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصوم، باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا، رقم ١٩٣٣، ومسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر، رقم ١١٥٥.
97 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصوم، باب إذا جامع في رمضان، ولم يكن له شيء، فتصدق عليه فليكفر، رقم ١٩٣٦، ومسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم، ووجوب الكفارة الكبرى فيه وبيانها، وأنها تجب على الموسر والمعسر وتثبت في ذمة المعسر حتى يستطيع، رقم ١١١١.
98 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصوم، باب من لم يدع قول الزور، والعمل به في الصوم، رقم ١٩٠٣.
99 شرح صحيح البخارى، ابن بطال ٤/٢٣.
100 سبل السلام، الصنعاني ١/٥٦٧.
101 لطائف المعارف ابن رجب ص ١٥٥.
102 انظر: رحلة الإيمان في جسم الإنسان، د.حامد محمد حامد ١٩٩١.
103 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الزهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في كراهية كثرة الأكل، رقم ٢٣٨٠، وأحمد في المسند، رقم ١٧١٨٦.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٥٦٧٤.
104 انظر: مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ٧/٣٠٦.
105 لطائف المعارف ابن رجب ص ١٥٥.
106 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٤٢١.
107 النكت والعيون، الماوردي ٤/٤٠٤.
108 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦٦٥.
109 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصوم، باب هل يقول إني صائم إذا شتم، رقم ١٩٠٤، ومسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب فضل الصيام، رقم ١١٥١.
110 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب فضل الصيام، رقم ١١٥١.
111 عمدة القاري، العيني ١٠/٢٦٠.
112 أخرجه النسائي، كتاب الصيام، باب وجوب الصيام، رقم ٢٢٢٠، وأحمد في المسند، رقم ٢٢٢٧٦.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٤٠٤٣.
113 أخرجه النسائي، كتاب الصيام، باب وجوب الصيام، رقم ٢٢٢٢، وأحمد في المسند، رقم ٢٢١٤٩.
114 التيسير بشرح الجامع الصغير، المناوي ٢/١٣٧.
115 فيض القدير شرح الجامع الصغير، المناوي ٤/٣٣٠.
116 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصوم، باب الريان للصائمين، رقم ١٨٩٦، ومسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب فضل الصيام، رقم ١١٥٢.
117 المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، النووي ٨/٣٢.
118 التيسير بشرح الجامع الصغير، المناوي ١/٣٢٤.
119 أخرجه أحمد في المسند، رقم ٦٦٢٦، والبيهقي في شعب الإيمان، رقم ١٨٣٩.
قال المنذري في الترغيب والترهيب: «أخرجه أحمد والطبراني في الكبير، ورجاله محتج بهم في الصحيح »، وأخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الجوع وغيره بإسناد حسن والحاكم وقال: « صحيح على شرط مسلم»، انظر: الترغيب والترهيب، لعبد العظيم بن عبد القوي المنذري ٢/٥٠، رقم ١٤٥٥، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: «حسن صحيح»، رقم ٩٨٤.
120 انظر: التداوي بالصوم، شيلتون ١٩٨٧.
121 موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، محمد راتب النابلسي ١/٧٤.
122 مفاتيح الغيب، الرازي ٥/٢٥٨.
123 نقلًا من موقع جامعة الإيمان بالجمهورية اليمنية: بحث بعنوان: « من أوجه الإعجاز العلمي في الصيام».
124 رحلة الإيمان في جسم الإنسان، د.حامد محمد حامد ١٩٩١.
125 الصوم والصحة، نجيب الكيلاني ١٩٧٨.
126 يولد الطفل وعدد خلاياه تقارب ٩ مليار خلية.
127 مجلة الطبيعة البريطانية السبت الموافق ٢٥/١١/٢٠٠٠م.
Comments
Post a Comment